من سيملأ فراغ OMV في قطاع العقلة؟
ما مستقبل كهرباء عدن إذا تعثر تشغيل الحقول؟
ما الضمانات الحكومية لحماية أمن الطاقة في المحافظات الجنوبية؟
أزمة النفط في شبوة.. صراع المشغلين يهدد استقرار الطاقة في المحافظات الجنوبية
(عدن الغد) متابعات إخبارية:
في ظل انسحاب شركة OMV النمساوية من قطاع العقلة، والتجاذبات المتصاعدة بشأن هوية المشغل لقطاع جنة 5، تشهد محافظة شبوة واحدة من أخطر الأزمات المرتبطة بالنفط منذ سنوات.
أزمة تتجاوز حدود التشغيل الفني لتكشف عن هشاشة البنية المؤسسية، وتغول المصالح السياسية، في وقت بات فيه استقرار الطاقة في العاصمة المؤقتة عدن مهددًا على نحو غير مسبوق.
> قطاع العقلة.. غياب التخطيط يضاعف تكلفة الفراغ
بدأت الأزمة من إعلان شركة OMV النمساوية انسحابها الكامل من قطاع العقلة (S2) الواقع في محافظة شبوة، وهو القطاع الذي ظل منذ سنوات أحد أبرز
الروافد المغذية لمحطات الكهرباء في عدن.
وبحسب بيانات رسمية، فإن متوسط إنتاج القطاع يبلغ نحو 10 آلاف برميل يوميًا، بعد أن كان يتجاوز 15 ألف برميل قبل الحرب.
الانسحاب، الذي تم دون تنسيق كافٍ مع السلطات اليمنية، أظهر هشاشة الجاهزية الحكومية، حيث سارعت حكومة الدكتور سالم بن بريك إلى تشكيل لجنة وزارية لتولي إدارة القطاع بدءًا من يونيو 2025.
ورغم أهمية هذه الخطوة من الناحية القانونية، إلا أنها لم تترافق مع خطة فنية أو مالية واضحة لإدارة القطاع، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول مدى
استعداد اللجنة الجديدة لتولي المهام التشغيلية المعقدة.
موظفون في القطاع أكدوا لوسائل إعلام محلية أن الحقول تحتاج إلى صيانة دورية، وأن المعدات الحيوية باتت متهالكة بفعل تقادم العمر التشغيلي ونقص
التمويل.
كما أن الكادر المحلي، رغم خبرته، لا يملك الصلاحيات ولا الموارد لإدارة المرحلة الانتقالية دون دعم خارجي.
> بلو سكاي في الصورة.. هل تمتلئ فجوة OMV؟
مع تعثر البدائل، ظهرت شركة "بلو سكاي" المحلية كخيار مرشح لتولي تشغيل القطاع، وفق تسريبات من وزارة النفط. إلا أن الشركة، بحسب تقارير محلية،
لا تملك سجلًا سابقًا في تشغيل الحقول النفطية ذات الطبيعة المعقدة، ما يضع علامات استفهام حول آلية الاختيار، وهل جاء استنادًا إلى الكفاءة أم
بفعل تدخلات سياسية؟
اقتصاديون حذروا من أن الدفع بشركات حديثة العهد في قطاع حساس كهذا دون رقابة مهنية صارمة، قد يفتح الباب أمام المزيد من الهدر وسوء الإدارة،
مؤكدين أن القطاع يحتاج إلى كيان محترف ذي خبرة فنية مثبتة في إدارة حقول ما قبل الاستنزاف.
> قطاع جنة 5.. مشغلون يتناوبون وسط صراع النفوذ
في الوقت ذاته، يعيش قطاع جنة 5 في شبوة واقعًا أكثر ارتباكًا، فمنذ يناير 2025، قررت الحكومة إعادة إسناد تشغيل القطاع إلى شركة "جنة هنت" الأمريكية، بعد أن كانت شركة "بترومسيلة" الوطنية قد تسلمت إدارته قبلها بأقل من عام.
في نظر كثيرون، هذا التنقل السريع بين الشركات المشغلة يعكس حجم التدخلات السياسية في قرارات التشغيل، حيث يتحدث مراقبون عن ضغوط من أطراف في السلطة لدفع بجهات مقربة إلى مواقع التأثير داخل الحقول.
وقد شهدت شركة "وايكوم" الحكومية، شريك التشغيل في القطاع، تغييرات إدارية متكررة، كان آخرها تعيين رابع مدير تنفيذي في غضون 8 أشهر فقط.
التقارير الفنية تشير إلى أن القطاع استنفد ما يزيد على 239 مليون برميل من أصل 245 مليونًا من الاحتياطيات القابلة للاستخراج، ما يجعله قطاعًا
شبه ناضب من حيث الجدوى التشغيلية، لكنه لا يزال ساحة صراع لما يتيحه من امتيازات مالية وفرص تعاقدية مربحة.
> عدن في مهب العتمة
تنعكس هذه الأزمات بشكل مباشر على مدينة عدن، التي تعتمد على النفط الخام الواصل من شبوة لتشغيل محطاتها الكهربائية، وعلى رأسها محطة الحسوة ومحطة الرئيس.
ومع توقف الإنتاج أو تأخر استئنافه، تضطر الحكومة إلى شراء وقود الديزل والمشتقات النفطية من السوق الخارجية بأسعار مرتفعة، ما يشكل عبئًا
إضافيًا على خزينة الدولة المنهكة أصلاً.
المواطنون في عدن بدأوا يلمسون تداعيات الأزمة، مع عودة الانقطاعات المتكررة، وتراجع ساعات التشغيل، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب
ذروة استهلاك الصيف. ويخشى مسؤولون محليون من أن أي تعثر إضافي في تشغيل حقول شبوة، قد يؤدي إلى شلل كلي في الخدمات العامة، لا سيما المياه
والصحة والنقل.
> النفط رهينة للفراغ المؤسسي
تشير أغلب التحليلات إلى أن الأزمة الحالية لم تكن مفاجئة بقدر ما هي نتيجة طبيعية لتراكمات سابقة من غياب الرؤية، وخلل في هيكلية اتخاذ
القرار داخل قطاع النفط.
فمنذ توقف التصدير بفعل الهجمات الحوثية پالمسيرات أواخر 2022، دخلت الحقول في حالة شلل جزئي، تبعها اضطراب إداري واسع.
كما أن غياب مؤسسة وطنية مستقلة تتولى إدارة ثروات الطاقة بمعايير الحوكمة والشفافية، جعل من القطاع ساحة مفتوحة للتجاذبات والنفوذ، وتقلصت
قدرة الحكومة على إقناع أي مستثمر دولي بالمخاطرة في بيئة غير مستقرة سياسياً.
> دعوات للإصلاح
يرى خبراء أن الحل يكمن في إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الثروة النفطية، بعيدة عن التسييس، تمتلك صلاحيات رقابية وتشغيلية، وتعمل على أساس
الكفاءة والمصلحة العامة.
كما يشددون على ضرورة إصدار قوانين جديدة تنظم العلاقة بين المركز والمحافظات المنتجة، بما يضمن توزيعًا عادلاً للعائدات وتعزيز الثقة بين
الأطراف المختلفة.
ويخلص الخبير الاقتصادي الدكتور فهد العزي إلى أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى "انهيار تدريجي لمنظومة الطاقة"، ما لم يتم التحرك سريعًا
لمعالجة جذور الأزمة، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق والاستثمار في البنية
التحتية للنفط والطاقة.
> أزمة إدارة وغياب رؤية
ختامًا، لا يبدو أن أزمة الطاقة في عدن وشبوة مجرد تعثر فني أو خلاف إداري، بل هي تجلٍّ لأزمة حكم وغياب رؤية وطنية شاملة لإدارة الثروة
النفطية.
وما لم تتغير قواعد اللعبة، سيبقى القطاع رهينة للفراغ، فيما يدفع المواطن الثمن في صورة عتمة، وحرارة، وخدمات متدهورة.