آخر تحديث :الأربعاء-04 يونيو 2025-01:10ص
ملفات وتحقيقات

خارطة طريق للنهوض بالريال اليمني.. مجلس النقد كخيار جذري لإنقاذ الاقتصاد

الإثنين - 02 يونيو 2025 - 07:12 ص بتوقيت عدن
خارطة طريق للنهوض بالريال اليمني.. مجلس النقد كخيار جذري لإنقاذ الاقتصاد
(عدن الغد) متابعات إخبارية:

لماذا يعد إنشاء "مجلس نقد" ضرورة ملحة لإنقاذ الريال اليمني من الانهيار؟

ما الأسباب التي تدعو ربط الريال اليمني بالريال السعودي دون غيره من العملات؟

كيف نجحت دول مثل هونغ كونغ وإستونيا وبلغاريا في الخروج من أزماتها

النقدية من خلال نموذج مجلس النقد؟

ما الخطوات العملية والقانونية المطلوبة لتطبيق هذا النموذج وفقاً للمقترح؟

هل يشكل مجلس النقد مساسا بالسيادة الوطنية أم أنه وسيلة لحمايتها من

الانهيار الاقتصادي؟

تقف البلاد اليوم أمام لحظة مفصلية تتطلب قرارات جذرية لإنقاذ ما تبقى من استقرارها الاقتصادي.

وفي هذا السياق، يرى دكتور الاقتصاد عبدالمجيد العمري أن خيار "مجلس النقد" يمثل المخرج الوحيد من أزمة الانهيار النقدي التي تعصف بالبلاد

منذ سنوات.

> لماذا مجلس النقد ضرورة ملحة اليوم؟

يشير العمري إلى أن الريال اليمني فقد أكثر من 90 % من قيمته خلال العقد الأخير، نتيجة طباعة كميات ضخمة من العملة دون غطاء، وانقسام السلطة

النقدية بين صنعاء وعدن، وظهور أسعار صرف متعددة خلقت مناخًا مضطربًا لكل من المستثمرين والمواطنين.

وأدى هذا الانهيار إلى تآكل الثقة بالعملة الوطنية وازدهار السوق السوداء التي تستحوذ اليوم على أكثر من 80 % من التحويلات النقدية، حسب

تقديراته.

"البنك المركزي فقد السيطرة تمامًا"، يضيف العمري، "ولم يعد مصدرًا موثوقًا للسياسة النقدية، فنحن أمام اقتصاد يُدار بالأزمات وليس بالرؤية،

ولا يمكن أن نواصل هذا الانحدار دون خيار علاجي حاسم".

> ما هو مجلس النقد؟

مجلس النقد هو نظام نقدي يعتمد على قاعدة بسيطة: لا تُطبع العملة المحلية إلا إذا كانت مغطاة بنسبة 100 % من احتياطي عملة أجنبية قوية وثابتة،

ويتم تثبيت سعر الصرف بشكل صارم، مما يضع حدًا نهائيًا للتضخم والانهيار النقدي.

ويشير العمري إلى أن هذا النموذج لا يعني تسليم السياسة المالية للخارج كما يتخوف البعض، بل هو صيغة مؤسسية مستقلة، تعمل على استعادة الثقة

بالعملة الوطنية ووقف التدهور اليومي.

> لماذا الريال السعودي بالذات؟

في معرض حديثه حول اختيار الريال السعودي دون غيره كعملة مرجعية، يوضح العمري أن الأمر لا يتعلق فقط بالجغرافيا أو العلاقات الثنائية، بل بواقع

اقتصادي ملموس.

فأكثر من 60 % من التحويلات والمعاملات الجارية في اليمن تتم فعليًا بالريال السعودي، خاصة في المحافظات الجنوبية والمناطق القريبة من الحدود. كما أن وجود ملايين اليمنيين في السعودية، واعتماد الموازنة التشغيلية لبعض المؤسسات اليمنية على الدعم السعودي، يجعل من المنطقي ربط

الريال اليمني به.

"الريال السعودي مستقر، وله احتياطي نقدي ضخم، ويُدار بسياسة نقدية صارمة"، يقول العمري، "وربط العملة اليمنية به سيكون أسهل من الناحية

التنفيذية، مقارنة بعملات مثل الدولار أو اليورو".

> تجارب دولية ناجحة تثبت الفعالية

يستعرض العمري نماذج دولية خرجت من أزمات مشابهة عبر خيار مجلس النقد:

فعلى سبيل المثال تجربة هونغ كونغ، إذ ربطت عملتها بالدولار الأمريكي عام 1983، وحافظت على استقرارها رغم الأزمات المالية الآسيوية والعالمية.

كما أن إستونيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أنشأت مجلسًا للنقد عام 1992، مما ساعدها على كبح التضخم والانضمام لاحقًا لمنطقة اليورو.

كذلك، بلغاريا عانت من تضخم مفرط تجاوز 500 %، وربطت عملتها بالمارك الألماني في 1997، لينخفض التضخم إلى أقل من 10 % خلال عامين.

> كيف يمكن تطبيق النموذج في اليمن؟

يشدد العمري على أن اليمن لا تحتاج إلى استنساخ حرفي لهذه التجارب، بل إلى تكييف النموذج وفق واقعها السياسي والمؤسسي.

وهنا، يقترح خارطة طريق تنفيذية تبدأ بإعلان رسمي من مجلس القيادة الرئاسي بنيته اعتماد هذا النموذج، وتضم الخطوات التالية:

تجميد فوري لطباعة العملة الجديدة غير المغطاة، وإصدار عملة يمنية جديدة مربوطة رسميًا بالريال السعودي، ومضمونة بالكامل باحتياطي خارجي.

العمل على تعديل المادة 14 من قانون البنك المركزي لتأسيس إطار قانوني خاص بمجلس النقد، مع إنشاء هيئة مستقلة لمجلس النقد تضم خبراء محليين

ودوليين.

تأمين وديعة أولية من المملكة العربية السعودية أو أي جهة داعمة، لتمويل الاحتياطي المطلوب، بالإضافة إلى تدشين منصة إلكترونية رسمية لضبط أسعار

الصرف يوميًا بشفافية، وكذا نشر تقارير دورية شفافة ومفتوحة للمجتمع الدولي والداخلي.

> هل يشكل مجلس النقد تهديدًا للسيادة الوطنية؟

يرد العمري على هذا السؤال بحزم: "بل هو وسيلة لحمايتها"، ويرى أن الحديث عن السيادة في بلد فقد السيطرة على قراره النقدي والمالي لم يعد واقعيًا.

"مجلس النقد ليس تفريطًا بالسيادة، بل صيانة لها"، يقول العمري، مضيفًا أن السيادة تعني امتلاك أدوات الاستقرار وليس التمسك بأوهام الإدارة

الذاتية في ظل انهيار شامل.

ويستشهد العمري بتجارب كوسوفو والبوسنة وتيمور الشرقية، التي اعتمدت مجالس نقد مستقلة بإشراف دولي في فترات ما بعد النزاع، وأثبتت نجاحًا في

إعادة بناء الثقة والعملات.

> فرصة لإنقاذ الاقتصاد أم لحظة ضائعة جديدة؟

يختم الدكتور عبدالمجيد العمري حديثه، بالتأكيد على أن الأزمة النقدية في اليمن لا تحتمل التردد، "لقد جربنا كل شيء عدا الانضباط المالي"، يقول.

"فمجلس النقد ليس حلاً سحريًا، لكنه الإجراء الوحيد القابل للتنفيذ في المدى القصير، والذي يمكن أن يشكل قاعدة لاستعادة استقرار الاقتصاد".

ويحذر العمري من أن التأخير في تبني هذا الخيار قد يؤدي إلى لحظة لا يعود فيها أي إصلاح ممكنًا، داعيًا إلى "تحرك سياسي شجاع يضع مصلحة المواطن

فوق الحسابات الضيقة".

يُظهر الطرح المتكامل للدكتور عبدالمجيد العمري بشأن "مجلس النقد" وضرورة ربط الريال اليمني بالريال السعودي أنه لا ينطلق من نظريات مثالية بل من

معطيات واقعية وتجارب دولية ناجحة. ومن خلال تحليل الأسباب الجذرية لانهيار العملة اليمنية، والتشخيص الدقيق لفشل أدوات البنك المركزي، يتضح

أن اليمن تقف عند مفترق طرق: إما اعتماد نموذج حوكمي جديد يفرض الانضباط المالي ويستعيد الثقة، أو الاستمرار في فوضى نقدية تنذر بانهيار لا يمكن

السيطرة عليه.

إن اقتراح مجلس النقد لا ينبغي أن يُفهم على أنه تخلٍ عن السيادة، بل كخطوة استراتيجية لاستعادتها، من خلال بناء مؤسسات مالية مستقلة، تضمن

الشفافية، وتحظى بثقة الداخل والخارج. كما أن ربط الريال اليمني بعملة قوية كالسعودي، لا يعني الارتهان، بل هو استثمار في الاستقرار ورافعة

لإعادة تدوير الثقة المفقودة بالاقتصاد المحلي.

التجارب الناجحة من هونغ كونغ إلى إستونيا وبلغاريا، تظهر أن الأزمات لا تُحل بالتمنيات ولا بالشعارات، بل عبر إصلاحات مؤسسية دقيقة ومؤلمة أحيانًا، لكنها ضرورية. واليمن ليست استثناء. فمجلس النقد ليس مجرد خيار اقتصادي، بل ضرورة وطنية لإنقاذ العملة من الانهيار، وحماية ما تبقى من

نسيج الدولة، وتهيئة الأرضية لمرحلة اقتصادية جديدة، أكثر عدلاً وشفافية واستقرارًا.