آخر تحديث :السبت-21 يونيو 2025-09:15م
ملفات وتحقيقات

تحليل سياسي: الحرب الإيرانية الإسرائيلية.. من سينتصر؟

السبت - 21 يونيو 2025 - 03:58 م بتوقيت عدن
تحليل سياسي: الحرب الإيرانية الإسرائيلية.. من سينتصر؟
((عدن الغد))خاص

منذ اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية، تغيّر المشهد الإقليمي بشكل دراماتيكي، وتحوّلت التقديرات الاستراتيجية في المنطقة من مجرد سيناريوهات محتملة إلى واقع ملتهب يهدد بتفجير الشرق الأوسط بأكمله. هذه الحرب، التي كانت تُعد حتى وقت قريب من "المستحيلات"، أزالت كل الخطوط الحمراء، ودخلت مرحلة الصراع المباشر بين خصمين تاريخيين.


أولًا: عناصر القوة لدى إسرائيل


تمتلك إسرائيل مجموعة من عناصر القوة التي تجعلها أحد أقوى الفاعلين العسكريين في المنطقة. من أبرز هذه العناصر تفوقها التكنولوجي، إذ تعتمد على صناعات دفاعية متطورة تشمل أنظمة اعتراض الصواريخ مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود"، فضلًا عن تفوقها في مجال الحرب السيبرانية.


إضافة إلى ذلك، تتميز إسرائيل بجيش نظامي مدرب ويمتلك خبرة طويلة في خوض الحروب غير المتناظرة. وتتمتع إسرائيل بعلاقات وثيقة واستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تضمن لها دعمًا عسكريًا ولوجستيًا واسعًا.


كما تلعب القوة الجوية الإسرائيلية دورًا حاسمًا، حيث تملك طائرات F-35 الحديثة، وقدرة كبيرة على تنفيذ ضربات دقيقة داخل العمق الإيراني، وهو ما ظهر بوضوح خلال هذه الحرب. وتُعد القدرة على الاستهداف الاستخباراتي أحد أبرز مكامن القوة، إذ تنفذ إسرائيل هجمات مبنية على معلومات استخباراتية دقيقة.


ومن الناحية الاقتصادية، تُعد إسرائيل دولة مستقرة إلى حد كبير، مما يمنحها هامشًا أوسع في تمويل عملياتها العسكرية. كما تمتلك قاعدة تكنولوجية وابتكارية تسمح لها بتطوير أدوات المواجهة والتكيّف بسرعة.


ثانيًا: عناصر القوة لدى إيران


في المقابل، تعتمد إيران على شبكة معقدة من الوكلاء المسلحين في المنطقة، تمتد من حزب الله في لبنان إلى الميليشيات في العراق واليمن. هذه الشبكة تمنحها قدرة على خوض حرب استنزاف طويلة المدى، دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مكلفة.


إيران تملك ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة، وقد استخدمت عددًا منها في استهداف قواعد إسرائيلية ومنشآت حيوية. وتعتمد إيران أيضًا على تكتيكات الحرب غير المتماثلة، واستخدام الطائرات المسيّرة، وهو ما أظهر فعاليته في توجيه ضربات مفاجئة.


ورغم العقوبات الاقتصادية، أثبتت إيران قدرتها على الصمود، مستندة إلى اقتصاد مقاوم نسبيًا، واستعداد شعبي لقبول التضحيات في سبيل السيادة الوطنية. كما أن المؤسسات العسكرية مثل الحرس الثوري تملك نفوذًا واسعًا في الداخل، ويمكنها تعبئة الجماهير بسرعة.


وتُعد العقيدة الثورية إحدى أدوات إيران في كسب الدعم الداخلي والخارجي، خاصة مع قدرتها على تصوير الصراع بأنه دفاع عن الإسلام ومقاومة للهيمنة الغربية.


ثالثًا: قدرة المجتمعين على التحمل


من حيث قدرة المجتمع على التحمل، يبدو أن المجتمع الإيراني يمتلك قدرة عالية على التكيّف مع الحروب والضغوط، نظرًا لتجربته الطويلة مع العقوبات، والحروب السابقة، والبنية الثقافية التي تشجع على التضحية.


لكن في المقابل، يتميز المجتمع الإسرائيلي بانفتاح إعلامي وحرية تعبير تُظهر حجم التوتر والقلق الشعبي بشكل يومي، مما قد يؤثر على التماسك الوطني مع طول أمد الحرب. ورغم ما يُعرف عن وحدة الصف الإسرائيلي في وقت الأزمات، إلا أن الحرب طويلة الأمد قد تفتح الباب أمام الانقسامات الداخلية، خاصة مع وجود احتجاجات سابقة ضد الحكومة.


وبحسب دراسات اجتماعية نُشرت مؤخرًا، فإن الإيرانيين، رغم معاناتهم الاقتصادية، يعبّرون عن استعدادهم لتحمل المصاعب في سبيل منع سقوط بلادهم، بينما أظهرت استطلاعات رأي إسرائيلية أن غالبية السكان يفضّلون نهاية سريعة للحرب، ولو عبر حل سياسي.


رابعًا: من سينهار أولًا؟


من الصعب الجزم بمن سينهار أولًا في هذا الصراع، لكن المؤشرات تُظهر أن إيران تمتلك نفسًا طويلًا بسبب اعتمادها على حرب الوكلاء وتكتيكات الاستنزاف، في حين أن إسرائيل تعتمد على الحسم السريع.


إذا طال أمد الحرب، فإن الاقتصاد الإسرائيلي قد يتعرض لضغوط متزايدة، خاصة في ظل توقف السياحة، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع تكلفة العمليات العسكرية. أما إيران، فرغم العقوبات، لا تزال تعتمد على دعم من الصين وروسيا وبعض شبكات السوق السوداء.


ومع ذلك، فإن أي انهيار لن يكون بالضرورة اقتصاديًا فقط، بل قد يكون سياسيًا أو اجتماعيًا. وفي هذا السياق، يُخشى أن يؤدي تصاعد الخسائر إلى أزمة داخل الحكومة الإسرائيلية، أو تحرك جماهيري واسع في طهران إذا ما شعر الشارع أن الحرب فقدت معناها.


خامسًا: هل غيّرت هذه الحرب الفكرة التقليدية للجيوش؟


نعم، فقد كشفت هذه الحرب عن تغيّر جوهري في طبيعة الصراعات المعاصرة. لم تعد الجيوش التقليدية وحدها هي الحاسمة في المعارك، بل دخلت عناصر جديدة إلى ميدان الحرب، مثل الطائرات المسيّرة، والصواريخ الذكية، والهجمات السيبرانية.


كما أن الحرب الحالية أثبتت أن خطوط الجبهة لم تعد واضحة، فالهجمات قد تأتي من وكلاء في بلدان ثالثة، أو من هجمات رقمية على البنية التحتية. هذا النمط من الحروب يزيد من تعقيد المعارك ويُربك حسابات الجيوش النظامية.


إسرائيل تعتمد على سلاح الجو والاستخبارات، بينما تعتمد إيران على شبكة وكلائها في دول متعددة. هذا ما جعل الحرب غير متكافئة بالمعنى الكلاسيكي، لكنها أكثر تعقيدًا من أي حرب سابقة في المنطقة.


سادسًا: أين يقف العرب؟


الموقف العربي من هذه الحرب يراوح بين الحذر والقلق. فمعظم الدول العربية الكبرى مثل السعودية ومصر والإمارات التزمت الصمت، واكتفت بالدعوة إلى ضبط النفس. بينما أصدرت دول مثل العراق بيانات تميل إلى دعم إيران بشكل غير مباشر.


وتنقسم النخب السياسية والإعلامية في العالم العربي حول الموقف؛ فهناك من يرى أن إسرائيل تشكل تهديدًا دائمًا، وآخرون يرون أن إيران هي الخطر الأكبر، خاصة في ظل تدخلاتها في اليمن وسوريا ولبنان.


ومع ذلك، فإن غالبية الدول العربية تخشى من أن يؤدي هذا الصراع إلى زعزعة استقرار المنطقة، وزيادة التوتر الطائفي، أو تفجّر الجبهات الداخلية كما في لبنان والعراق. لذلك، تسعى بعض العواصم العربية للعب دور وساطة خلف الكواليس.


سابعًا: حجم الخسائر الإيرانية


تشير تقارير غير رسمية إلى أن إيران فقدت خلال هذه الحرب أكثر من 1500 عنصر من الحرس الثوري، وتعرضت منشآت استراتيجية، بما فيها مواقع نووية، لهجمات دقيقة ومؤثرة.


كما قُدّرت الخسائر الاقتصادية بمليارات الدولارات، نتيجة استهداف البنية التحتية للنفط، والمصانع العسكرية، وخسائر في قطاع النقل الجوي. وأعلنت الحكومة الإيرانية أن 60% من صادرات النفط توقفت بسبب الحصار البحري والجوي الذي فرضته إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة.


لكن في المقابل، تظهر إيران قدرة لافتة على امتصاص الضربات، بفضل شبكة دعم داخلية قوية، واستعداد مسبق لتحويل بعض منشآتها إلى مواقع بديلة.


ثامنًا: حجم الخسائر الإسرائيلية


على الجبهة الإسرائيلية، تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 700 جندي ومدني، وإصابة آلاف آخرين. كما استهدفت صواريخ إيرانية مناطق صناعية حيوية في تل أبيب وحيفا، ما أدى إلى توقف بعض القطاعات الاقتصادية.


وتعرضت السياحة الإسرائيلية إلى شلل شبه تام، في حين أُعلنت حالة الطوارئ في أكثر من 10 مدن، وبدأت بعض الشركات الكبرى في تحويل استثماراتها إلى الخارج خوفًا من تصاعد الحرب.


ومع ذلك، يبقى الجيش الإسرائيلي قادرًا على تنفيذ هجمات دقيقة في العمق الإيراني، الأمر الذي يمنحه تفوقًا عسكريًا نسبيًا، رغم الخسائر.


تاسعًا: الدور الأمريكي في الحرب


رغم محاولات الولايات المتحدة في البداية البقاء على مسافة من الحرب، إلا أنها اضطرت لاحقًا إلى التدخل المحدود نتيجة تصاعد الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران. أرسلت واشنطن تعزيزات بحرية إلى الخليج العربي، وسمحت باستخدام منظومات دفاعية متطورة من قواعدها في المنطقة لصالح إسرائيل.


وقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي أن واشنطن "لن تسمح بتهديد أمن إسرائيل الاستراتيجي"، ما يعني ضوءًا أخضر ضمنيًا لشن هجمات واسعة ضد المنشآت الإيرانية الحساسة. كما كثّفت الولايات المتحدة من مراقبتها البحرية على مضيق هرمز لمنع تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان.


مع ذلك، لا تزال إدارة بايدن مترددة في الانخراط الكامل في الحرب، خوفًا من التصعيد مع روسيا والصين، وخشية من التأثيرات الكارثية على أسواق النفط العالمية. ولذلك، فإن تدخلها لا يزال محسوبًا، يوازن بين دعم إسرائيل ومنع تفجّر إقليمي شامل.


عاشرًا: هل دمرت إسرائيل القدرات النووية الإيرانية؟


وفقًا لتقارير استخباراتية غربية، فقد نفذت إسرائيل أكثر من 14 ضربة جوية على منشآت إيرانية يشتبه بأنها ذات طابع نووي منذ بداية الحرب. تضمنت هذه الضربات منشآت في نطنز وأراك وفوردو، وأكدت صور أقمار صناعية حجم الدمار في بعض المرافق.


ومع ذلك، لم تؤكد أي جهة رسمية أن هذه الهجمات قضت كليًا على قدرة إيران النووية. فهناك تقارير تشير إلى أن إيران احتفظت بمرافق سرية لم يتم استهدافها بعد، كما أن بعض برامج التخصيب انتقلت إلى منشآت تحت الأرض يصعب تدميرها بالضربات الجوية التقليدية.


وفي المقابل، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن هناك توقفًا ملحوظًا في بعض الأنشطة النووية الإيرانية، لكنها لم تتمكن من التأكد من حجم الضرر الكامل. ويرى خبراء أن إسرائيل استطاعت إبطاء البرنامج النووي الإيراني، لكنها لم تدمره بالكامل.


وبهذا تُختتم القراءة التحليلية المتعمقة لأبرز محاور الصراع الإيراني الإسرائيلي، في ظل حرب قد تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط لعقود قادمة.