آخر تحديث :الأحد-22 يونيو 2025-06:59م
ملفات وتحقيقات

"القات في فم الطفولة".. اتساع دائرة تعاطيه في أوساط الأطفال (تقرير ميداني)

الأحد - 22 يونيو 2025 - 02:01 م بتوقيت عدن
"القات في فم الطفولة".. اتساع دائرة تعاطيه في أوساط الأطفال (تقرير ميداني)
(عدن الغد) تقرير/ سيف الحاجب:

كانت الساعة تقترب من الخامسة بعد العصر أثناء مروري بأحد الاحياء الترابية في أطراف مديرية كريتر الحي كان ساكنا، إلا من أصوات وصرخات أطفال يركضون خلف كرة بلاستيكية... أمامهم مباشرةً، على طوبتين مكسورتين كان يجلس طفلان لا يتجاوز عمر أكبرهما الثانية عشرة أحدهما يمد يده داخل كيس، يسحب عودً قات صغير يمسكه ثم يقطعه بأصابعه النحيلة ويرميه إلى فمه.. بينما الثاني يراقبه ويقلده نسخ لصق...

مشهد كهذا لم يعد لافتا أو غريبا أو منظر شاذ في كثير من محافظات البلاد أصبح مألوفا ومتكررا بل ويتوسع، دون أي تدخل مجتمعي أو موقف صريح يوقف هذه الظاهرة التي بدأت تلتهم ما تبقى من براءة الطفولة.. بعد أن أصبح تعاطي القات بين الأطفال حالة شاذة بل تحول إلى ممارسة يومية لعدد متزايد من الطلاب وصغار السن ممن وجدوا أنفسهم يشاركون الكبار في عادات خلقوا عليها.


الظاهرة في الواقع

خلال الأسابيع الماضية أجرينا جولة ميدانية في عدد من حواري محافظة عدن، ولاحظنا انتشار الظاهرة بشكل يجبر على القلق.. في سوق القات الشعبي بمديرية الشيخ عثمان التقينا بعدد من البائعين الذين أكدوا أن الأطفال من الزبائن اليوميين.. أحدهم قال دون تردد: " يجي يشتري مني بألفين ريال وأحيانا معه زيادة.. نحنا نبيع مش شغلتنا من يخزن"

أما في حافة "الشعب" رأينا مجموعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاما، ماسكين هواتفهم ويخزنون القات بطريقة بدائية.. نزلنا وسألناهم عن السبب بودية، فرد أحدهم قائلا: " أبوي بدأ يخزن وهو صغير وعمي كمان.. والان أنا ما حد قال لي حاجة".

سألناه عن المدرسة.. فرد بصوت اللامبالاة: "أوقات أروح وأوقات لا.. لما أخزن ما أحب أتكلم مع حد".

لا توجد إحصائيات دقيقة توثق عدد الأطفال الذين يتعاطون القات.. ولكن المشاهد اليومية تكشف أن الظاهرة ليست محصورة في منطقة أو طبقة اجتماعية واحدة الانتشار يشمل حوافي المدن، كما يوجد في قرى في الريف..


دور الأسرة وتطبيع السلوك

هناك عدة عوامل أدت إلى ازدياد تعاطي الأطفال للقات أولها سهولة الوصول إليه.. فالبائع لا يسائل الزبون عن عمره، ولا توجد قوانين تمنع بيع القات للقُصّر.. حتى في حال وجود تعليمات، لا توجد آلية رقابة أو متابعة. ثانيا، البيئة الأسرية.. في كثير من المنازل القات جزء من اليوم يخزن الأب، وتخزن الأم أحيانا، والطفل يرى ذلك يوميا حتى تصبح الممارسة مألوفة وطبيعة، ثالثا.. هناك غياب للبدائل فمثلا لا توجد أنشطة مدرسية.. ولا مراكز فعاليات وهذا ما جعل القات بديلاً سهلاً للهروب من الفراغ..

والأخطر من ذلك هو تطبيع الفكرة في وعي الطفل.. حين يقال له: "خزن واهدأ" أو "خزن عشان تركز"، يصبح مقتنعا أن القات ليس عادة سلبية بل وسيلة للتركيز أو الدخول لعالم الكبار.. وهذا النوع من التوجيه المغلوط، يصنع أجيال لا ترى القات أزمة.. بل كجزء من الرجولة أو اليوم.


الأضرار المباشرة والطويلة

الحديث عن أضرار القات على الأطفال لم يأخذ حقه في النقاش المجتمعي.. بينما تركز أغلب الحملات الإعلامية على ضرر القات العام، فإن تأثيره على جسم طفل لا يزال في طور التكوين أكبر بكثير.. كما أن الطفل الذي يبدأ مبكرا في تعاطي القات، غالبا ما يصبح في سن المراهقة غير قادر على إنتاج أو تعلم، إذ يكون قد اعتاد على ساعات طويلة من التخزين دون فائدة.


غياب دور المؤسسات

والمريب المبكي... إن أغلب الجهات المعنية لا تضع هذه القضية ضمن أولوياتها وزارة التربية والتعليم لا تتعامل مع الظاهرة كخطر ولا توجد حملات منهجية في المدارس لمكافحتها... وزارة الشؤون الاجتماعية لا تقدم برامج واضحة للحد منها، والمنظمات الدولية العاملة في اليمن لا تقترب من الملف إلا بمشاريع عابرة لا تترك أثرا.

حتى الإعلام لا يمنح هذه القضية المساحة الكافية أغلب التغطيات تذهب نحو الأمور السياسية.. وتهمل القضايا المجتمعية التي تشكل مستقبل البلد من الداخل.. فالكارثة هنا ليست في أن الطفل يخزن بل في أن المجتمع لا يرى في ذلك خطرا مستعجلا.


ما الذي يمكن فعله؟

الحلول والبدائل ليست معقدة لكنها تحتاج إرادة وموقف صريح.. بداية، يجب فرض منع قانوني صريح لبيع القات للأطفال مع تغليظ العقوبة على المخالفين كما أن المدارس مطالبة بإدخال مناهج أو حلقات تثقيفية تظهر مخاطر القات على الجسم والذهن مع إشراك المعلمين في كشف الحالات والتدخل المبكر.

إلى جانب هذا.. يجب إنشاء بدائل حقيقية للطفل مثل.. انشطة كرة قدم رياضات اخرى، مسابقات، أو أي مساحة تجعله يرى أن هناك طريقا اخر غير الجلوس على الرصيف والقات في فمه.