آخر تحديث :الإثنين-30 يونيو 2025-09:29م
أخبار عدن

عدن بين الوعود الاستثمارية وواقع الانهيار الاقتصادي: نافذة واحدة قد تفتح أبواب الأمل ...

الإثنين - 30 يونيو 2025 - 04:57 م بتوقيت عدن
عدن بين الوعود الاستثمارية وواقع الانهيار الاقتصادي: نافذة واحدة قد تفتح أبواب الأمل ...
كتب/ / علياء فؤاد


في الوقت الذي لا تتوقف فيه الجهات الرسمية عن الترويج لتسهيلات استثمارية واسعة في مدينة عدن، يُفاجأ التجار والمستثمرون المحليون بواقع يومي يزداد تعقيدًا، يضع العراقيل في طريق أي حلم أو خطة اقتصادية قابلة للتنفيذ، فعدن التي كان من المفترض أن تتحول إلى بوابة مزدهرة للاقتصاد الوطني لا تزال تعاني من بيئة استثمارية مضطربة، ظاهرها التسهيل وباطنها مليء بالعقبات غير المعلنة التي تبدأ من هشاشة المؤسسات ولا تنتهي عند تشعب القوانين وتعدد المرجعيات الإدارية، ورغم ما تتمتع به المدينة من موقع استراتيجي فريد وميناء يُعد من الأفضل على مستوى الإقليم، فضلًا عن وجود سوق محلية نشطة وقوى عاملة مدربة إلا أن هذه المقومات لم تجد طريقها نحو التفعيل المؤسسي والتنظيم الإداري المطلوب، الأمر الذي جعل عدن مدينة الفرص الضائعة، تتأرجح بين الوعود الحكومية البراقة وواقع اقتصادي خانق.

يشير عدد من التجار المحليين إلى أن أبرز المشكلات لم تعد تتركز فقط في الميناء كما كان الحال سابقًا، فقد شهدت خدمات الميناء نوعًا من التحسن خلال السنوات الأخيرة، وإن كان جزئيًا إلا أن المشكلة الأعمق باتت متمثلة في الانهيار المتسارع للعملة الوطنية والذي انعكس بشكل مباشر على الأسواق والأسعار وخطط الاستثمار وأدى إلى تآكل الأرباح وانعدام القدرة على التنبؤ بالمستقبل.

ووصف أحد المستثمرين الواقع بقوله، العملة تهوي ونحن نهوي معها، كلما بنينا خطوة وجدنا أنفسنا مضطرين لإعادة الحسابات، و لا يوجد أفق ثابت ولا قرار اقتصادي واضح يمكن أن نعتمد عليه لبناء مستقبل أعمالنا.

وأضاف، ما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا هو غياب أي تحرك حكومي جاد لإيجاد حلول اقتصادية عملية ومستدامة، فالمستثمر الذي يحتاج إلى بيئة مستقرة وخطط مالية يمكن التنبؤ بها، يجد نفسه في سوق يشبه الغابة حيث تسود الارتجالية وتُتخذ القرارات المفصلية دون أي إشعار مسبق أو توضيح مما يعمق من أزمة الثقة بين الدولة والقطاع الخاص.

ويؤكد رجال أعمال أن قرارات فرض الرسوم والضرائب والغرامات التي تُتخذ فجأة وبدون دراسة أو تنسيق تتسبب في ضغط نفسي هائل على إدارات الشركات، وترتب عليها أعباء محاسبية وتشغيلية غير متوقعة، فبدلًا من أن تُشجع السياسات الرسمية على التوسع وتوليد فرص العمل، أصبحت طاردة للاستثمار ودافعة نحو تقليص النشاط أو حتى الانسحاب النهائي من السوق.

وفي خضم هذه الفوضى الإدارية والمالية، يعود مطلب رئيسي إلى الواجهة لطالما طالبت به الغرفة التجارية وعدد من الفاعلين الاقتصاديين في عدن، وهو ضرورة تطبيق نظام النافذة الواحدة.

هذا النظام المعمول به في العديد من الدول التي قطعت أشواطًا في التحديث الإداري، فهو يقوم على فكرة تجميع كافة الإجراءات الحكومية المتعلقة بالتاجر أو المستثمر في نقطة واحدة، ضمن مجمع إداري موحد، بحيث يمكن إنهاء معاملات الجمارك و الضرائب و الزكاة، وكل التراخيص من خلال جهة واحدة، تعتمد رقمًا موحدًا لكل معاملة، ما يعني تخفيف الجهد والزمن والبيروقراطية.

ويعد نظام النافذة الواحدة أكثر من مجرد تسهيل إجرائي بل هو خطوة إصلاحية شاملة تفتح الأبواب نحو شفافية أكبر وتقلص من فرص الفساد الإداري، وتُيسر عمليات الرقابة والتقييم، سواء من جهة الحكومة أو من جهة المستثمر نفسه.

إن غياب هذا النظام في مدينة مثل عدن، التي تعاني أصلًا من تعدد السلطات وتداخل الصلاحيات بين الجهات المختلفة لا يعني فقط مزيدًا من التأخير للمستثمر بل يفتح الباب لتعدد التفسيرات القانونية، وابتزاز غير مباشر وضياع للفرص الاقتصادية، ففي كثير من الأحيان لا يعرف المستثمر إلى من يتوجه، ومن يملك القرار ومن يمكنه تقديم الخدمة.

ويطالب عدد من رجال الاقتصاد في عدن الجهات المختصة بالبدء الفوري في إعداد البنية التشريعية واللوجستية لتفعيل هذا النظام بما في ذلك تدريب الموظفين وتحديث البنى التحتية الإدارية وإعداد قاعدة بيانات موحدة للمستثمرين.

كما يؤكد الخبراء أن تعزيز دور القطاع الخاص لا يمكن أن يتم في ظل هذه البيئة المرتبكة بل يحتاج إلى قرارات سياسية جريئة، تعيد الثقة للمستثمر المحلي أولًا قبل أن نحدث العالم عن جذب رؤوس الأموال الأجنبية.

وفي السياق ذاته، يرى مراقبون أن الاستثمار ليس مجرد شعار يُرفع أو مؤتمر يُعقد بل منظومة متكاملة تبدأ من الاستقرار الأمني بتوفير خدمات البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق واتصالات إلى بناء مؤسسات رقابية مستقلة تضمن العدالة في التعامل مع المستثمرين وتكافئ المجتهد وتعاقب المسيء.

عدن اليوم ليست بحاجة إلى المزيد من الخطابات بل إلى تفعيل خطط حقيقية تبدأ من تبسيط الإجراءات وتنتهي عند خلق بيئة أعمال آمنة ومستقرة، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا توفرت الإرادة الحقيقية والإدارة الكفؤة، بعيدًا عن المحسوبية والفوضى الإدارية.

ويبقى السؤال الجوهري معلقًا، متى تتحول عدن من ساحة وعود إلى ساحة إنجازات؟!، فالمدينة التي طال انتظارها لتستعيد دورها الاقتصادي الريادي لا ينقصها لا الموقع ولا الإمكانيات بل ينقصها فقط من يؤمن بقدراتها ويعمل بصدق من أجلها.

لقد آن الأوان لعدن أن تحصل على فرصة جديدة، فرصة تقوم على احترام المستثمر وتقدير التاجر وبناء الثقة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، فرصة تعني أن النافذة الواحدة ليست مجرد إجراء بل بوابة نحو مستقبل أكثر إشراقًا ...