آخر تحديث :الأربعاء-16 يوليو 2025-12:05ص
دولية وعالمية

مواجهة إسرائيل وإيران تدشن عصرًا جديدًا من الحرب النفسية

الثلاثاء - 15 يوليو 2025 - 04:42 م بتوقيت عدن
مواجهة إسرائيل وإيران تدشن عصرًا جديدًا من الحرب النفسية
عدن الغد- متابعات

تحولت وسائل التواصل الاجتماعي خلال حرب الشهر الماضي بين إسرائيل وإيران إلى ساحة معركة رقمية، استخدم فيها الطرفان الخداع والأكاذيب في محاولة للتأثير على النتيجة.

بحسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، ظهرت منشورات باللغة الفارسية، في الساعات التي سبقت قصف القوات الإسرائيلية لسجن إيفين في العاصمة الإيرانية في 23 يونيو (حزيران)، على وسائل التواصل الاجتماعي، تنذر بالهجوم وتحث الإيرانيين على إطلاق سراح السجناء.

بعد لحظات من وقوع القصف، ظهر مقطع فيديو على منصتي إكس (تويتر سابقًا) وتليغرام، يُزعم أنه يُظهر انفجارًا عند مدخل السجن، المعروف باحتجازه للسجناء السياسيين. تضمن أحد المنشورات على منصة "إكس" وسمًا بالفارسية: # الحرية لإيفين.

كان الهجوم على السجن حقيقيًا، لكن المنشورات والفيديو لم يكونا كما بدوا. وفقًا للباحثين الذين تتبعوا تلك التطورات، فقد كانت مقاطع الفيديو والمنشورات جزءًا من خدعة إسرائيلية.

لم تكن هذه الخدعة الوحيدة خلال الصراع، على مدار 12 يومًا من الهجمات، حوّلت إسرائيل وإيران وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة رقمية، باستخدامهما الخداع والأكاذيب في محاولة للتأثير على النتيجة، حتى مع تبادلهما الضربات الصاروخية الحركية التي أودت بحياة المئات وأثارت اضطرابات في الشرق الأوسط "المضطرب أصلًا".

وقال الباحثون إن هذه المنشورات تُمثل مستويات شدة أكبر لحرب المعلومات، حيث بدأت قبل الضربات، واستخدمت الذكاء الاصطناعي، وانتشرت على نطاق واسع وبسرعة كبيرة.

إن حرب المعلومات، التي تُسمى غالبًا العمليات النفسية، أو psyops، قديمة قدم الحرب نفسها. لكن الخبراء يقولون إن الجهد بين إسرائيل وإيران كان أكثر كثافة وأكثر استهدافًا من أي شيء سبقه، وشاهده ملايين الأشخاص وهم يتصفحون هواتفهم بحثًا عن التحديثات حتى مع سقوط القنابل.

ويرجع السبب في ذلك إلى تكنولوجيا اليوم إلى جانب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور الذكاء الاصطناعي المولد، وهي عوامل غيرت قدرة الدول على الاستجابة للأحداث والتحدث مباشرةً إلى المواطنين وغيرهم في الوقت الفعلي بطرق أكثر مصداقية من أي وقت مضى.

وفقًا لباحثين وبيانات رسمية، أرسلت إيران تحذيرات باللغة العبرية، على سبيل المثال، إلى آلاف الهواتف المحمولة الإسرائيلية لتحذير المتلقين من تجنب الملاجئ لأن مسلحين خططوا للتسلل إليها ومهاجمة من بداخلها.

ونشرت شبكة من الحسابات على موقع X، منسوبة إلى إسرائيل، رسائل باللغة الفارسية في محاولة لتقويض الثقة في الحكومة الإيرانية، بما يشمل رسائل روتها امرأة مولدة بالذكاء الاصطناعي.

وفي المقابل، صورت رسائل مفبركة الأمور في طهران على أنها طبيعية، وأن الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي. في الحقيقة، كانت المدينة قد أُخليت في الغالب في ذلك الوقت.

قال جيمس فورست، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة ماساتشوستس لويل، والذي كتب باستفاضة حول هذا الموضوع: "إنها حقبة جديدة من حرب النفوذ". وأضاف: "لم يسبق في التاريخ أن شهدنا مثل هذه الحالة من قبل، حيث أتيحت لنا القدرة على استخدام هذا النوع من الدعاية على نطاق واسع".

يقدم هذا السيل من الدعاية والخداع لمحة عما ستواجهه الولايات المتحدة أو الدول الأخرى على الأرجح في حال اندلاع الحرب. ظهرت صور كاذبة لقاذفات B-2 المدمرة على الإنترنت عندما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشن ضربات على المواقع النووية الإيرانية المدفونة في الأعماق.

يتساءل البعض عن مدى استعداد الولايات المتحدة، خاصة مع تقليص إدارة ترامب جهودها لمكافحة عمليات النفوذ الأجنبي.

تتبنى الاستراتيجية العسكرية الأميركية عمليات المعلومات - التي عُرفت في البنتاغون منذ عام 2010 باسم عمليات دعم المعلومات العسكرية - ولكن غالبًا ما عوملت على أنها ليست أكثر من مجرد دور داعم.

تُعتبر روسيا، تليها الصين، الخصم الأكثر حزمًا عندما يتعلق الأمر بحملات التأثير. فقد شنت حربًا معلوماتية شرسة ضد أوكرانيا وحلفائها منذ شن غزو كامل للبلاد في عام 2022. ووفقًا لبعض الروايات، فقد قوضت الدعم في بعض البلدان، بما يشمل الولايات المتحدة.

أعرب ديفيد ميلار، ضابط المخابرات السابق الذي كان يُدرّس حتى وقت قريب في معهد الخدمة الخارجية، أكاديمية التدريب الدبلوماسي التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، عن اعتقاده بأن "ما سيقوله معظم الأشخاص هو أن الجيش الأميركي غير مستعد لهذا النوع من العمليات المعلوماتية أو العمليات النفسية التي قد تصبح سائدة في هذا القرن".

اتّبعت كل من إسرائيل وإيران دليل روسيا، محاولين تشكيل الرأي العام محليًا ودوليًا، مع إضافة القدرة على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة على نطاق واسع في حملاتهم.

قال هاني فريد، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة كاليفورنيا، وهو أحد مؤسسي شركة GetReal Security، وهي الشركة التي كشفت لأول مرة عن الفيديو المتلاعب به لسجن إيفين: "إذا عدنا إلى الأيام الأولى لأوكرانيا، فقد رأينا حملات تضليل من روسيا، لكنها كانت بدائية جدًا مقارنة بما رأيناه في الأيام الأولى لحرب غزة"، مضيفًا أن "هذا لا يقارن بما نراه في إيران".

أغرقت جهات من جانبي الصراع الإيراني- الإسرائيلي شبكة الإنترنت بصور ومقاطع فيديو متلاعب بها أو مُفبركة، سعيًا إلى إضعاف الطرف الآخر وتشويه سمعته.

تضمن المحتوى صورًا من صراعات سابقة وتلفيقات واضحة للمرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. أما الصور الأكثر دقة، مثل الفيديو في إيفين، فقد نشرتها في البداية بعض المؤسسات الإخبارية، بما يشمل صحيفة "نيويورك تايمز"، على أنها حقيقية.

قارن فريد بين حرب المعلومات اليوم وجهود الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الدول المتحاربة تتواصل عبر منشورات تُلقى من الطائرات أو عبر الراديو. وعلق: "مع الراديو، كانت هناك رسالة واحدة يتم إرسالها. أما الآن، فإن هناك مليون رسالة يمكن توصيلها إلى مليون شخص، [مما يعد] بالطبع وضعاً مختلفاً تمامًا".

يمكن أن يصعب قياس أثر الصراع الحالي بدقة. فكثيرًا ما يلتئم المواطنون خلف قادتهم في حالة الحرب، وينظرون إلى الدعاية الواضحة بتشكك أو سخرية. ويقول المحللون إنه حتى لو لم تغير الحرب النفسية مسار الصراع، فإنها قد تُشكل تصورات المواطنين عنه.

واعتبر آري بن عام، أحد مؤسسي شركة Telemetry Data Labs، وهي شركة تحليلات رقمية في تل أبيب، أن جهود إيران بدت موجهة إلى جمهور محلي وإقليمي بقدر ما كانت موجهة إلى إسرائيل نفسها. وأضاف أن ذلك يعكس "رغبتهم في الحفاظ على سمعة إقليمية".

أظهر مقطع فيديو مُفبرك دمارًا في مطار بن غوريون في إسرائيل لم يحدث. وظهرت صور ومقاطع فيديو لحطام طائرات إسرائيلية - ولاحقًا أميركية - في روايات عزاها الباحثون إلى إيران ووسائل إعلامها الرسمية.

ومع ذلك، زعمت إيران إسقاطها 3 طائرات إسرائيلية من طراز F-35 على الأقل، فيما نفى مسؤولون عسكريون إسرائيليون خسارة أي طائرة في القتال، ولم يظهر أي دليل يُشير إلى خلاف ذلك.

وسائل الإعلام الإيرانية زعمت أسر طيارة إسرائيلية، تُدعى سارة أحرونوت، لكن شركة NewsGuard، التي تُراقب المعلومات المضللة في وسائل الإعلام، عثرت على الصورة الأصلية وهي لملازم في البحرية التشيلية التُقطت عام 2011.

ووثّقت شركة NewsGuard نحو 28 ادعاءً كاذبًا من قِبل إيران، اعتمدت فيها على "مزيج من مصادر إعلامية رسمية حكومية، ومواقع وحسابات مجهولة، ومؤثرين بالوكالة لنشر الدعاية" على يوتيوب وفيسبوك وإكس وتليغرام وتيك توك.

على الرغم من تفنيدها في كثير من الأحيان، فقد شوهدت الصور ومقاطع الفيديو ملايين المرات، ولا يزال الكثير منها منشورًا على الإنترنت.

واستشهد تقرير صادر عن شركة Horizon Intelligence، وهي شركة لتقييم التهديدات في بروكسل، بحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بإسرائيل تعرض لقطات قديمة للاحتجاجات للإشارة إلى اضطرابات ضد الحكومة الإيرانية. ويُزعم أن مقطع فيديو جديدًا بواسطة الذكاء الاصطناعي يُظهر إيرانيين يهتفون "نحب إسرائيل".

قال دارين إل. لينفيل، المدير المشارك لمركز الأدلة الجنائية الإعلامية بجامعة كليمسون، إن الفيديو الذي يُزعم أنه يُظهر انفجارًا في سجن إيفين ظهر على الفور تقريبًا على حسابات على منصتي إكس وتليغرام، ثم انتشر على شبكة مُنسقة من الحسابات الزائفة التي روجت لمحتوى معادٍ لإيران، ووصل إلى ملايين الأشخاص. ووصفه بأنه مثال صارخ على "التنسيق بين الحرب الحركية والحرب النفسية".

استمرت الحرب النفسية حتى بعد توقف القصف في 24 يونيو (حزيران). في اليوم التالي لاتفاق البلدين على الهدنة، ظهر حساب جديد على منصة "إكس" يدعي أنه المتحدث باللغة الفارسية باسم جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجي، الموساد. عرضت منشورات على الحساب مساعدة مالية وطبية للإيرانيين الذين ثاروا ضد الحكومة الإيرانية. يتضمن الحساب رسائل فيديو من منشيه أمير، وهو صحافي إسرائيلي إيراني ثمانيني، والمعروف كمذيع باللغة الفارسية لوسائل الإعلام الإسرائيلية. أكد أمير لصحيفة "التايمز" أنه تلقى اتصالا من أشخاص لم يكن يعرفهم، والذين حضروا لاحقًا إلى منزله بمعدات تصوير وزودوه بسلسلة من الرسائل العبرية التي أرادوا منه قراءتها أمام الكاميرا باللغة الفارسية.

كان مقتنعًا بأن الزوار من الموساد، الذي رفض الرد على أسئلة حول الحساب الذي تم من خلاله بث رسائل عرض المساعدة.

كما أخذت وزارة الصحة الإيرانية الحساب على محمل الجد لدرجة أنها أصدرت تحذيرًا للإيرانيين بتجاهل عروض الموساد للمساعدة، وفقًا لتقرير صادر عن وكالة الأنباء الرسمية (أ.ف.ب).

يتناول الحساب النقاشات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية أو الإسرائيلية، مثل الرد الماكر على مقطع فيديو بعنوان "رجلنا في طهران"، والذي انتشر على نطاق واسع عبر الإنترنت أثناء الصراع.

يصور الفيديو العميد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، كعميل للموساد في قلب العديد من العمليات الإسرائيلية السرية. كما أن الموسيقى التي يتم تشغيلها في خلفية الفيديو تأتي من الأغنية الرئيسية لمسلسل تلفزيوني إسرائيلي يسمى "طهران"، والذي يدور حول عميل للموساد يعمل داخل إيران.

ظهر المخرج الإسرائيلي، إيفياتار روزنبرغ، لاحقًا على وسائل الإعلام الإسرائيلية ليعترف أنه استخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج المقطع. وبعد انتشار الفيديو بفترة وجيزة، ردّ حساب على موقع إكس، يُزعم أنه تابع للموساد، قائلاً: "قاآني ليس تابعا لنا".