تقرير / د. وسيم فضل يافعي
في ظل واقع يمني مضطرب سياسيًا واقتصاديًا، تبرز قيادات وطنية استطاعت أن ترسم حضورها من خلال العمل الجاد، والمواقف الثابتة، والنزاهة الأخلاقية، وتبعث الأمل في زمن الإنكسار، ويأتي في مقدمة هذه الشخصيات الوطنية، الشيخ الدكتور/ محمد عيضة شبيبة وزير الأوقاف والإرشاد في الحكومة الشرعية، الذي جسّد نموذجًا حيًا للقيادة المسؤولة، والموقف الثابت، والإدارة النزيهة.
برز الشيخ محمد شبيبة كأحد النماذج الفريدة في القيادة الرشيدة والعمل النزيه، حيث تسلم وزارة الأوقاف والإرشاد في واحدة من أعقد مراحل اليمن السياسية والإدارية، إذ كانت الوزارة تعاني من إنهيار شبه كلي في البنية التنظيمية، ولايوجد لها مقر رسمي في العاصمة عدن، وكان يدار قطاع الحج والعمرة من مكة المكرمة موسمياً فقط، ومحرومة من التمويل الحكومي والهيكلة التنظيمية أي لايوجد نظام إداري فعّال.
لكن الرجل لم ينتظر المعجزات، بل قاد عملية تأسيس الوزارة من الصفر، حيث قام بأنشأ ديوان عام للوزارة، وتم تجهيزه باحدث الأثاث المكتبية، بتمويل ذاتي، وقام باستقطاب الكفاءات والكوادر الإداري لتسيير الأعمال في الوزارة، وأعاد تنظيم وتفعيل القطاعات: (الأوقاف، والإرشاد، والحج والعمرة، وقطاع تحفيظ القرآن الكريم)، ورقمنة الأعمال الإدارية، كما جرى إطلاق مشاريع تحفيظ القرآن الكريم على أسس علمية، وأعيد تمثيل اليمن في المسابقات القرآنية العالمية بعد انقطاع لفترة زمنية طويلة، كما التزم بمبدأ الشفافية من خلال تأسيس نظامًا ماليًا يخضع للرقابة الداخلية والخارجية، وقام بضبط إيقاع عمل الوزارة بحوكمة مالية وإدارية متينة، وفعّل الشراكة مع المؤسسات الدينية والمجتمعية.
كل ذلك تم بإدارة شفافة، تستند إلى العمل الجماعي والمؤسسي، لا إلى المركزية أو الفردية، وهو ما رسّخ حضوره كقائد تنفيذي لا شعاراتي.
تجلّت نزاهة الشيخ محمد شبيبة في مواقفه الواضحة إزاء قضايا المال العام والوقف الإسلامي، إذ، أطلق حملة واسعة لحصر واستعادة أراضي وممتلكات الأوقاف المنهوبة، واجه قضايا التلاعب بالعقارات الوقفية، ورفع دعاوى لاسترجاعها.
لم تكن النزاهة لديه موقفًا تنظيريًا، بل سلوكًا إداريًا ملموسًا تُرجِم في إعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
كما تميزت قيادة الشيخ شبيبة برؤية وطنية واضحة، جعلت من وزارته منبرًا لنشر الوسطية والاعتدال، ومقاومة الغلو والتطرف والطائفية، مؤمنًا بأن:
"الخطاب الديني الحقيقي هو الذي يجمع، لا الذي يفرّق، وهو الذي يخدم الإنسان لا يوجّهه للعنف.
كما قام بدعم العلماء والوعاظ والخطباء، وحرص على توحيد الكلمة الدينية لخدمة الهوية اليمنية الجامعة، وليس لخدمة مشاريع فئوية أو مذهبية.
وبعيدًا عن البيروقراطية، سلك الشيخ شبيبة نهجًا إنسانيًا في القيادة، إذ
فتح أبواب الوزارة أمام الشباب والمبدعين وأصحاب الرؤى، وقام بدعم الفعاليات الثقافية والفكرية ذات البعد الوطني والديني، وأدار ملف الحج والعمرة بحسّ إنساني، رغم العراقيل التي وضعتها المليشيات الانقلابية، حرصًا على تمكين اليمنيين من أداء مناسكهم بكرامة وسلام، والذي ترجم ذلك في النجاحات المتتالية لمواسم الحج وبشهادة الجميع.
اتخذ الوزير شبيبة مواقف جريئة في مواجهة الفساد الديني والسياسي، ووقف بقوة ضد المشروع الحوثي الطائفي، كاشفًا مخاطره الفكرية والاجتماعية، وقد تعرّض، بسبب مواقفه، لمحاولات تهديد وتكفير من المليشيا، لكنه بقي ثابتًا على مبدأه: (الدين لا يُستخدم سلاحًا للسلطة، بل سُلّمًا للحرية والعدل).
في كل المحافل عبّر الشيخ شبيبة عن أن الإسلام الحق لا يُحتكر، وأنه دين الوسطية والاعتدال والتسامح، وليس أداة للهيمنة أو التسلط، فكان من أوائل من وقفوا علنًا ضد المشروع الطائفي للحوثيين، كاشفًا خطورة مشروعهم السلالي الطائفي على النسيج الاجتماعي، ومشدِّدًا على أن اليمن لا يمكن أن يُحكم بفكر فوقي يستند إلى السلالة أو العنف.
وخلاصة القول : الشيخ محمد شبيبة ليس مجرد وزير في موقع رسمي، بل رمز للقيادة الأخلاقية والنزاهة التنفيذية في مرحلة مفصلية من تاريخ اليمن، جمع بين الرؤية والمؤسسة، بين المبادئ والتطبيق، وبين الخطاب الديني المعتدل والعمل الإداري النظيف، ليكون قدوة في بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة والشفافية، كمان انه صوت ضمير في مرحلة تحتاج إلى من يحملون القرآن في القلب، والدستور في اليد، والوطن في الوجدان، وجمع بين الدين والدولة، بين الفكر والواقع، ليكون أحد أبرز رجال المرحلة الذين تستند إليهم بوصلة اليمن الاتحادي الديمقراطي المنشود.