دفع التدهور المعيشي من جراء الحرب معظم اليمنيين إلى اعتماد الدراجات النارية وسيلة للتنقل وكسب العيش، ويسجل وجود أكثر من مليون دراجة في البلاد، خصوصاً في محافظتَي تعز والحديدة، نظراً للكثافة السكانية.
تحوّلت الدراجات النارية في اليمن إلى وسيلة نقل أساسية، حيث حلّت بديلاً عن سيارات الأجرة (تاكسي) وانتشرت بشكل واسع في عددٍ من المدن وحتى في الأرياف، نتيجة عوامل عديدة، أهمها الوضع الاقتصادي المتردّي الذي جعل من الدراجة النارية وسيلة نقل زهيدة الكلفة ومصدر رزق لسائقيها.
وجد نايف الدوسري في الدراجة النارية وسيلة للانتقال من قريته في ريف تعز (جنوب غرب) إلى جامعة تعز، وكذلك لاستخدامها في نقل أحد الركاب معه ذهاباً وإياباً، من أجل توفير احتياجاته خلال فترة دراسته في كلية الطب - قسم الصيدلة، والتي تخرّج فيها مؤخراً. يقول الدوسري لـ"العربي الجديد": "معظم أبناء منطقتنا في ريف تعز يستخدمون الدراجات النارية للانتقال من القرية إلى المدينة، وقد اشتريتُ الدراجة قبل دخولي الجامعة، ولولاها لما استطعت متابعة تخصصي، ولا سيما أن والدي انقطع راتبه مع بداية الحرب. ما زلتُ أشعر بالامتنان لدراجتي وأستخدمها حالياً للوصول إلى عملي بإحدى شركات الأدوية".
وانتشرت الدراجات النارية في محافظات اليمن نتيجة انعدام سيارات الأجرة، حتى في المدن الرئيسية، حيث حلّت الدراجات النارية بديلاً أساسياً بسبب استهلاكها المحدود للوقود مقارنةً بالسيارات، وقدرتها على قطع مسافاتٍ بسرعة كبيرة بغض النظر عن الازدحام، إضافة إلى قدرتها على المرور بالطرقاتٍ الضيقة والوعرة، وبالطبع أسعارها الرخيصة مقارنةً بأسعار السيارات، ما جعلها خياراً مناسباً لذوي الدخل المحدود، حيث يمكن للسائق أن يجني 20 ألف ريال يمني وسطياً في اليوم الواحد (نحو 12 دولاراً أميركياً).
يقول سائق الدراجة النارية، عمار الصنوي، لـ"العربي الجديد": "كنتُ أعمل في مجال التسويق، وللأسف مع بداية الحرب تمّ إغلاق الشركة وتسريح الموظفين، ولم أجد فرصة بديلة، فاضطررت إلى كسب لقمة العيش من خلال الدراجة النارية، وعلى الرغم من محدودية المبلغ الذي أجنيه، لكنه أفضل من البقاء بلا عمل".
وخلال فترة الحرب شهد اليمن ارتفاعاً كبيراً في أعداد الدراجات النارية، ولا سيما من الموظفين الذين توقفت رواتبهم في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث اشتروا الدراجات النارية من أجل تأمين مصدر رزق. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون دراجة نارية في اليمن، تتركز معظمها في محافظتَي تعز والحديدة (غرب).
ويؤكد مدير شرطة السير بمحافظة تعز، العقيد عبد الله راجح، لـ"العربي الجديد" أن "الدراجات النارية وسيلة نقل رخيصة وسهلة في ظل الظروف الاقتصادية، وقد ارتفعت أعدادها بمحافظة تعز نظراً للكثافة السكانية، حيث نجد أن كل أسرة تقريباً تمتلك دراجة نارية، وكون الطرقات صغيرة ومخططاتها عشوائية، كما أن محافظة عدن (جنوب) منعت الدراجات النارية". ويكشف راجح عن وجود ما بين 200 إلى 250 ألف دراجة نارية في عاصمة محافظة تعز، ويقول: "نحن بصدد تنفيذ برنامج لترسيم وتسجيل وترقيم الدراجات النارية، ما سيحدّ من عدد الحوادث التي وصلت إلى 168 حادثاً في تعز خلال النصف الأول من العام الجاري".
وتزيد معدلات الخطر لدى راكبي الدراجات النارية في ظل غياب القوانين المنظمة لعملها، حيث لا يشملها قانون المرور، وهو ما يضاعف عشوائية قيادتها، وزيادة الازدحام، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الحوادث. وبحسب شرطة السير بمحافظة تعز، فإن حوادث الدراجات النارية في تعز شهدت ارتفاعاً عام 2024، حيث بلغت 217 حادثاً مقارنةً بالعام 2023 الذي سجّل 114 حادثاً. وتسببت هذه الحوادث بـ 100 حالة وفاة خلال العام الماضي، بينها 19 امرأة، بزيادة النصف عن العام 2023 الذي سجل 59 حالة وفاة. وخلال العام 2024، بلغ عدد الإصابات 726 حالة، بينها 601 إصابة من الذكور و125 إصابة من الإناث.
وتؤكد شرطة السير أن معظم هذه الحوادث ناتجة عن السرعة الزائدة، وإهمال الصيانة، وقيادة صغار السن، والانشغال باستخدام الهاتف أثناء القيادة. في المقابل، لا تخلو الدراجات النارية من المخاطر الأمنية، حيث تم استخدامها في عمليات اغتيال، ما دفع السلطات المحلية في عدن إلى حظرها عام 2019، بهدف تحسين الوضع الأمني، وتنظيم حركة المرور في المدينة المعلنة عاصمة مؤقتة للحكومة المُعترف بها دولياً. وفي فبراير/ شباط الماضي وجهت اللجنة الأمنية بمحافظة تعز بالإسراع بترقيم الدراجات النارية من أجل ضبط الأمن، غير أن ذلك لم يتم حتى الآن.
ويشكو سائقو الدراجات النارية في صنعاء من سعي الحوثيين إلى التضييق عليهم عبر إجراءات ضمن حملة "تنظيم حركة المرور"، أبرزها فرض رسوم جمركية على الدراجات التي سبقت جمركتها، وإجبار السائقين على شراء خوذات يصل ثمن الواحدة منها إلى نحو 20 دولاراً، إلى جانب منعهم من السير في الطرق السريعة أو حمل أكثر من راكب، أو استخدام أجهزة التنبيه وكشافات الإضاءة.
ولاقت الحملة استهجان نقابة سائقي الدراجات في صنعاء التي وصفتها بأنها "محاولة ممنهجة لفرض الجبايات ومصادرة أرزاق العاملين بهذه المهنة"، مؤكدة أن "القرار سيضيف أعباء جديدة على آلاف المواطنين، خصوصاً الموظفين الذين حُرموا من رواتبهم منذ سنوات، ويعتمدون على الدراجات لتأمين قوتهم اليومي".
ويرى سليم، أحد سائقي الدراجات النارية في صنعاء، أن القرارات الأخيرة تهدف إلى محاربتهم في لقمة عيشهم، حيث سيضطرون إلى دفع ما كسبوه خلال يومهم لشرطة المرور، تحت مبرر ارتكاب مخالفة، ويقول لـ"العربي الجديد": "إنها محاولة لابتزاز السائقين ودفعهم لترك هذه المهنة التي تدرّ رزقاً بسيطاً لا يكفي سوى لحفظ الكرامة".