آخر تحديث :الثلاثاء-02 سبتمبر 2025-02:49م
مجتمع مدني

عمر دعسة .. حكاية رجل فقير صنع البهجة في قلوب الناس ثم أقعده المرض على الفراش

الثلاثاء - 02 سبتمبر 2025 - 10:11 ص بتوقيت عدن
عمر دعسة .. حكاية رجل فقير صنع البهجة في قلوب الناس ثم أقعده المرض على الفراش
(عدن الغد) خاص:

كتب/د. الخضر عبدالله :


بداية الحكاية: ضحكة من قلب الفقر


في إحدى الأحياء الشعبية في مدينة لودر بمحافظة أبين، كان الناس يعرفون رجلاً بسيطاً اسمه عمر دعسة. لم يكن يملك بيتاً فخماً ولا مالاً وفيراً، لكنه امتلك ما هو أثمن، القدرة على إضحاك القلوب. من الأسواق إلى المقاهي، كان دعسة يروي النكات والنوادر، فيتحول حزن الناس إلى ضحك، وضيق العيش إلى فسحة أمل.

ولد عمر دعسة في بيت متواضع في أطراف المدينة، لم ينل من التعليم سوى سنوات قليلة، إذ اضطرت أسرته لإخراجه من المدرسة حتى يساعد والده في العمل اليدوي. كان صغير السن، لكنه كبير القلب واللسان، يواجه قسوة الحياة بجملة ساخرة أو طرفة عابرة، فتتبدد قسوة الأيام. ومنذ شبابه، صار محط الأنظار في الحي: ذلك الفقير الذي لا يملك شيئاً لكنه يُضحك الجميع.


الضحك سلاح الفقراء


لم يكن دعسة يجيد مهنة محددة، كان ينتقل من عمل إلى آخر؛ بائع أسماك في السوق تارة، وبائع أغنام تارة أخرى، ومساعداً في محل بقالة أحياناً. ورغم التعب، كان يضفي على مكان عمله جواً من المرح. يقول أحد جيرانه :"لم نكن نرى في دعسة مجرد عامل فقير، بل كان جرعة أمل يومية. إذا جلسنا في مجلس، حضر معه الفرح. وإذا اجتمعنا في عزاء، وجدنا أنفسنا نبتسم وسط الحزن من تعليقاته الطريفة التي لا تخلو من حكمة."

لقد جعل الناس يدركون أن الضحك ليس ترفاً، بل وسيلة للبقاء. كان يردد دائماً: "من لم يجد ما يأكله اليوم، فليضحك حتى يشبع قلبه."


نوادره التي لا تُنسى


أشهر ما يذكره الناس عن دعسة أنه كان يروي نوادره وكأنها قصص واقعية، كان يقلّد أصوات المصرين والسوريين واللبنانيين، يبالغ في وصف المواقف، فيضحك الحاضرون حتى تدمع أعينهم، في إحدى المرات، وقف وسط السوق وصرخ: "يا ناس! الحكومة قررت تمنع الجوع.. اللي يشعر بجوع عليه يقدّم طلب رسمي!"، فضج السوق بالضحك، رغم أن الفقر كان ينهشهم جميعاً.

لم يكن يضحك الناس فقط، بل كان يواسيهم بطريقته. حين يتأخر راتب الموظفين في الحي، كان يقول: "لا تقلقوا، الراتب ليس هارباً، هو فقط خرج يتمشى قليلاً!"، فتتحول الوجوه العابسة إلى ضاحكة.


اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء


لكن كما أن الحياة تضحك حيناً، فإنها تبكي أحياناً. قبل شهورا طويلة، أصيب دعسة بمرض في جسده، أقعده على الفراش. لم يعد ذاك الرجل الذي يجلس في المقهى الشعبي او سوق الأغنام محاطاً بالضحكات، بل صار محاطاً بالأدوية والأنين. جسده لم يحتمل قسوة المرض، وصار يعاني من آلام مزمنة جعلته عاجزاً عن الحركة.

ولأن الفقر لا يرحم، وجد نفسه عاجزاً عن تكاليف العلاج. يقول أحد أصدقائه: "لم يعد دعسة يملك سوى فراشه وذكرياته. حتى ضحكته التي كانت تملأ الدنيا، صارت باهتة."


بين الضحك والدموع


الزائرون اليوم يدخلون بيته فيرونه على سريره، يبتسم رغم المرض. يسألونه: "كيف حالك يا عمر دعسة ؟"، فيرد مبتسماً: "الحمد لله، على الأقل ما زلت أستطيع أن أضحك على نفسي!"

لكن خلف ابتسامته تختبئ دموع كثيرة. يشعر أحياناً أن الناس نسوه بعدما كانوا يستمدون منه البهجة. يقول بصوت متقطع: "كنت أضحكهم وأنا جائع.. واليوم أبكي وأنا مريض."


صرخة إنسانية


قصة عمر دعسة ليست مجرد حكاية عن رجل فقير ضحك الناس، بل هي صورة عن آلاف مثلَه في المجتمع: أشخاص أعطوا للآخرين الأمل، لكنهم حين سقطوا، لم يجدوا من يمد لهم يد العون .

في هذه القصة الصحفية الإنسانية هنا تنقل صرخة إنسانية: إنقاذ حياة عمر دعسة واجب أخلاقي.

الأطباء يؤكدون أن حالته تحتاج إلى علاج في الخارج . وأسرته عاجزة، إذ تعيش على دخل محدود لا يؤدي متطلبات الحياة المعيشية . يقول أحد أقاربه : "دعسة كان يضحك الجميع.. واليوم أتمنى أن أراه يضحك من جديد."


ذاكرة الناس لا تنسى


رغم مرضه، لا يزال أهل الحي بل مدينة لودر والقرى المجاورة يتحدثون عنه بفخر. في كل مجلس، يروي أحدهم نكتة من نوادر دعسة القديمة. يقول شيخ كبير: "كان عمر دعسة مدرسة في تحويل الألم إلى ابتسامة. لن ينساه الناس حتى لو غاب."

لقد ترك إرثاً من الضحك، يشبه الأغاني الشعبية التي لا تموت. لكنه اليوم يحتاج من الناس أن يردوا له بعضاً من جميله، أن يقفوا معه وهو يصارع المرض، ليضحك من جديد.


أخيرا


عمر دعسة لم يكن نجماً في شاشة تلفاز، ولا كاتباً في صحيفة ولا تاجرا مشهورا، بل كان وجهاً بسيطاً من وجوه الفقراء في مدينة لودر الذين صاغوا السعادة من العدم. اليوم يرقد على فراش المرض، جسده منهك لكن روحه لا تزال تقاوم. قصته رسالة بليغة: أن الضحك دواء، لكنه لا يغني عن العلاج، وأن من رسم البهجة في قلوب الناس يستحق أن يجد من يرسم البهجة في قلبه حين يحتاج.