آخر تحديث :الأربعاء-03 سبتمبر 2025-12:09ص
أخبار وتقارير

بداية عام دراسي جديد وأولياء الأمور بلا رواتب منذ ثلاثة أشهر

الثلاثاء - 02 سبتمبر 2025 - 09:42 م بتوقيت عدن
بداية عام دراسي جديد وأولياء الأمور بلا رواتب منذ ثلاثة أشهر
(عدن الغد) خاص:

تقرير /د. الخضر عبدالله :


مع مطلع شهر سبتمبر من كل عام، تبدأ المدارس أبوابها في استقبال آلاف التلاميذ والطلاب في مختلف المراحل التعليمية، معلنة انطلاق عام دراسي جديد يفترض أن يحمل في طياته الأمل والتجديد، ويجدد طموحات الأسر في أن تنال أبناؤها حظهم من العلم والمعرفة. غير أن هذا العام الدراسي الجديد يأتي في ظروف قاسية تعصف بالآلاف من أولياء الأمور، حيث مضت ثلاثة أشهر كاملة دون أن يتسلموا رواتبهم، الأمر الذي جعلهم يقفون في مواجهة واقع اقتصادي ومعيشي ضاغط، لا يعرفون كيف يوفقون بين متطلبات التعليم لأبنائهم وأعباء الحياة اليومية الثقيلة.


أجواء بداية العام الدراسي


منذ اليوم الأول لفتح أبواب المدارس، بدأت الساحات والصفوف تمتلئ بالطلاب الذين عادوا بحماسهم الطفولي، غير عابئين بما يثقل كاهل آبائهم وأمهاتهم. لوحات إرشادية زُينت بها المدارس، وجداريات تحث على العلم، وحصص صباحية دشنها المعلمون بكلمات عن الأمل والنجاح. لكن ما يختفي وراء هذه الصور المشرقة، هو حقيقة مرة يعيشها أولياء الأمور الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة التكاليف الدراسية وسندان انقطاع الرواتب.

فشراء الزي المدرسي والكتب والدفاتر والحقائب لم يعد أمراً سهلاً، بل تحول إلى معضلة تستنزف ما تبقى من مدخرات الأسر. بعض الأسر اضطرت إلى الاستدانة من الجيران أو الأقارب لتغطية نفقات المدرسة، وأخرى لجأت إلى شراء مستلزمات مستعملة لأولادها، بينما قرر البعض تأجيل تسجيل أبنائهم حتى إشعار آخر لعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.


معاناة أولياء الأمور


يقول أحد أولياء الأمور: "منذ ثلاثة أشهر ونحن بلا رواتب، بالكاد نوفر لقمة العيش، فكيف لنا أن نلبي متطلبات التعليم؟" ويضيف آخر: "المدرسة تطلب دفاتر وحقائب ومستلزمات دراسية، وكل ذلك يحتاج إلى مال، ونحن لم نتسلم ريالاً واحداً منذ فترة طويلة."

المعاناة لا تتوقف عند المستلزمات الأساسية فقط، بل تمتد إلى تكاليف المواصلات، خاصة للطلاب الذين يدرسون في مدارس بعيدة عن مناطق سكنهم. بعض الأسر تضطر إلى إنقاص عدد أيام حضور أبنائها بسبب عدم توفر أجرة النقل بشكل يومي، ما يؤثر سلباً على تحصيلهم العلمي. وهناك من يفكر في نقل أبنائه إلى مدارس أقرب، حتى وإن كانت أقل جودة في التعليم، فقط لتخفيف الضغط المالي.


تأثير انقطاع الرواتب


انقطاع الرواتب ثلاثة أشهر متتالية لم يترك أثراً على التعليم فقط، بل انعكس على مختلف جوانب الحياة. كثير من الأسر كانت تعتمد بشكل كامل على الراتب كمصدر دخل وحيد، وبانقطاعه وجدوا أنفسهم أمام عجز في توفير الغذاء والدواء والكساء. وفي ظل هذه الظروف، يصبح التعليم أحياناً رفاهية مقارنة بحاجات البقاء الأساسية.

كما أن المعلم نفسه، وهو ركيزة العملية التعليمية، يواجه نفس الأزمة. فالعديد من المعلمين لم يتسلموا رواتبهم كذلك، ما يضعهم أمام ضغوط نفسية ومعيشية كبيرة. بعضهم اضطر للبحث عن عمل إضافي لتوفير لقمة العيش لأسرته، مما قد يؤثر على تركيزه داخل الصف ويضعف من جودة التعليم المقدمة للطلاب.


المدارس بين التحديات والالتزام


إدارات المدارس بدورها تجد نفسها بين تحديات عديدة. فمن جهة، هناك التزام ببدء العام الدراسي في وقته وتقديم المناهج وفق الخطة المقررة، ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطاً من أولياء الأمور الذين لا يستطيعون تسديد الرسوم أو شراء المستلزمات. بعض الإدارات أبدت قدراً من المرونة، فسمحت للطلاب بالدوام حتى وإن لم يستكملوا متطلباتهم، بينما أخرى شددت على ضرورة الالتزام بالزي والرسوم مما أثار استياء الكثير من الأسر.


التعليم بين الأمل والمعاناة


رغم كل هذه الظروف، يظل التعليم نافذة الأمل الوحيدة التي يتمسك بها الآباء والأمهات لأبنائهم. يرون فيه وسيلة للخلاص من دائرة الفقر والبطالة، ويحلمون بأن يكون مستقبل أولادهم أفضل. لذلك، تجد الكثير منهم يضحون بأشياء أساسية في حياتهم مقابل أن يستمر أولادهم في مقاعد الدراسة. بعض الأمهات يتخلين عن شراء مستلزمات لهن أو يبعن جزءاً من مقتنياتهن البسيطة، من أجل دفع رسوم تسجيل أو شراء حقيبة مدرسية.


أصوات من الشارع


في جولة بين بعض الأسر، عبّرت إحدى الأمهات قائلة: "أرسلت ابني إلى المدرسة بحقيبة قديمة ودفاتر مستعملة، المهم أن لا يتغيب عن الدراسة. لا أستطيع أن أحرمه من التعليم بسبب ظروفنا." فيما أشار أب آخر إلى أنه اضطر للاقتراض من صديقه لشراء الزي المدرسي لابنته، وهو لا يعرف كيف سيتمكن من سداد الدين لاحقاً.


مطالبات وحلول


في خضم هذه المعاناة، تتعالى أصوات أولياء الأمور مطالبين بسرعة صرف الرواتب المتأخرة، معتبرين أن التعليم لا يمكن أن يسير بخطى ثابتة في ظل حرمان المعلمين والأهالي من مستحقاتهم. كما دعا البعض إلى إطلاق مبادرات مجتمعية لدعم الطلاب الفقراء، مثل توفير الحقائب المدرسية أو إعفاء بعض الأسر من الرسوم. فيما ناشد آخرون المنظمات الإنسانية والداعمين بضرورة التدخل لتخفيف العبء عن الأسر المتضررة.


البعد النفسي والاجتماعي


لا يقتصر تأثير الأزمة على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الجانب النفسي أيضاً. فالأطفال يشعرون بالتمييز حين يرون زملاءهم بزي جديد وحقائب أنيقة بينما هم يحملون أشياء قديمة. هذا يولد لديهم شعوراً بالنقص وربما يضعف دافعيتهم للتعلم. كما أن الآباء يعيشون حالة ضغط نفسي مستمر نتيجة عجزهم عن تلبية احتياجات أبنائهم، ما ينعكس سلباً على الجو الأسري بشكل عام.


اخيرا


إن انطلاق العام الدراسي الجديد في ظل انقطاع الرواتب لثلاثة أشهر يضع الأسر والطلاب والمعلمين على حد سواء في مواجهة تحديات صعبة تهدد المسيرة التعليمية برمتها. ورغم إصرار الأسر على دفع أبنائها إلى المدارس مهما كانت الظروف، إلا أن استمرار الأزمة دون حلول جذرية قد يؤدي إلى ارتفاع نسب التسرب من التعليم، ويعمق من أزمة الجهل والفقر في المجتمع.


إن التعليم حق أساسي وركيزة لأي نهضة مستقبلية، ولا يمكن أن يتحقق بشكل سليم إلا إذا توفرت مقوماته الأساسية من دعم مادي ومعنوي. لذا، تبقى الكرة في ملعب الجهات المعنية التي يقع على عاتقها واجب إنقاذ العملية التعليمية وصون حق الطلاب في التعلم، عبر الإسراع في صرف الرواتب المتأخرة وتقديم التسهيلات التي تمكن الأسر من الإيفاء بمتطلبات أبنائهم، حتى يبقى العلم مشعلاً مضيئاً وسط هذا الظلام المعيشي.