آخر تحديث :الإثنين-08 سبتمبر 2025-04:48ص
ملفات وتحقيقات
صراع صلاحيات..

ملف (الرواتب) يفجر أزمة حادة بين رئيس الحكومة (بن بريك) ومحافظ البنك (المعبقي)

الإثنين - 08 سبتمبر 2025 - 02:14 ص بتوقيت عدن
ملف (الرواتب) يفجر أزمة حادة بين رئيس الحكومة (بن بريك) ومحافظ البنك (المعبقي)
عدن (عدن الغد) خاص:

في تطور خطير يهدد الاستقرار المالي والسياسي في المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية، كشف الصحفي والخبير الاقتصادي البارز ماجد الداعري، مساء اليوم السبت، عن تفاصيل مثيرة لأزمة تعثر صرف مرتبات الجيش والموظفين للشهر الرابع على التوالي، مؤكدًا أن الأزمة لم تعد تقنية أو مالية فحسب، بل تحولت إلى صراع نفوذ حاد بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي، وصل حد ما وصفه بـ"الحرب الباردة" على خلفية الصلاحيات، واستقلالية البنك المركزي، وأولويات الصرف.

وأوضح الداعري، في منشور له عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، بعنوان (أهم الخلافات العميقة بين رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي حول ملف المرتبات) أن جذور الأزمة تكمن في رفض المحافظ المعبقي القاطع لثلاثة خيارات رئيسية عرضتها الحكومة لتمويل صرف المرتبات، واصفًا إياها بأنها "خيارات تضخمية كارثية" من شأنها أن تُعيد الاقتصاد اليمني إلى حافة الانهيار النقدي، وتُهدر الجهود الكبيرة التي بُذلت في الفترة الأخيرة لتحقيق استقرار سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية.


الخيارات الثلاثة

أولا السحب بالمكشوف من حسابات الحكومة، كما كانت تعمل إدارات البنك المركزي السابقة، وهو طلب مرفوض من قبل المحافظ بججة أن حساب الحكومة مكشوف أساسا بترليونات الريالات منذ سنوات، وعليها أن تسد ولو جزءا من المكشوف أو تأمين مصادر دخل ثابتة تمكن البنك المركزي من مواصلة سياساته النقدية وأولوياته المصرفية والتزاماته الدولية وأمام صندوق النقد والبنك الدولي.

ثانيا: اجراء عمليات مصارفة والاستفادة من احتياطات البنوك لدى البنك المركزي ومكاسب تحسن صرف الريال، وهو طلب مرفوض أيضا من قبل المحافظ المعبقي بذريعة أن هذه أموال تخص البنوك بالنهاية ولا تستطيع الحكومة العاجزة عن فرض إعادة توريد أكثر من 147 جهة حكومية رئيسية إلى البنك المركزي، بدلا من البنوك التجارية وشركات الصرافة حتى اليوم، بينما تتذرع الحكومة أن محافظ البنك المركزي رفض عدة مذكرات من وزارة المالية لتوجبه البنوك وشركات الصرافة لإغلاق تلك الحسابات الحكومية بطرفها، باعتبار البنك الجهة الوحيدة المخولة بمخاطبة تلك الجهات المصرفية لإغلاقها، ومع هذا ورغم عدم وجود أي مادة قانونية تخول للبنك المركزي التدخل بهكذا أمور تخص الحكومة، باعتبار جمع وتوريد الموارد إلى حسابها بالبنك المركزي بدلا من شركات الصرافة، من أهم أولويات ومهام الحكومة ووزارة المالية، إلا أن وكيل المحافظ لقطاع الرقابة على البنوك منصور راجح وجه مذكرتين الى البنوك وشركات الصرافة منتصف الشهر الماضي، لإغلاق الحسابات الحكومية وتحويل المبالغ إلى حسابات تلك الجهات بالبنك المركزي خلال مدة زمنية انتهت دون تجاوب، في حين اعتبر البعض أن تلك المذكرتين بمثابة اسقاط واجب لا أكثر من البنك المركزي، تحت الضغوط الحكومية والرئاسية على البنك المركزي للتدخل وإغلاق الحسابات الحكومية تلك في البنوك التجارية وشركات الصرافة، وهذه نقطة خلاف متصاعدة يطول الحديث ويتشعب كثيرا فيها، وتحتاج إلى حلقات لحالها باعتبارها جوهر الخلافات.

ثالثا صرف المرتبات من حاويات العملة المطبوعة سابقا الموقوفة بموانئ عدن وجدة والمكلا.. وهذه نقطة مرفوضة تماما من قبل قيادة البنك المركزي باعتبارها ستكون كارثة على أي استقرار ممكن لصرف العملة ونقطة هرولة للصرف دون عودة، كونها محل تربص الهوامير والمضاربين والصرافيين، بينما يبررها البعض بأن تعطل الدولة عن القيام بأهم أولوياتها الوطنية هي الكارثة الأكبر، وأن لا قيمة لأي إصلاحات اقتصادية لا تمكن الجندي والموظف الحكومي من الحصول على راتبه منذ عدة أشهر ولا تشعر المواطن بتحسن حقيقي في الأسعار، وبالتالي فهذا الواقع هو الكارثة المعاشة بعينها.


من يتحكم في أولويات الصرف؟

ولم يقف الداعري عند الأزمة التمويلية، بل كشف عن صراع أعمق على الصلاحيات والسياسات، حيث تشكو الحكومة من تجاوزات يُمارسها محافظ البنك المركزي، تتمثل في صرف تعزيزات مالية لتغطية بنود خارج أولوياتها، ودعم جهات مثل وزارة الدفاع ومؤسسات عسكرية أخرى، رغم أنها لا تُعدّ من الأولويات الاقتصادية في نظر الحكومة المدنية.

في المقابل، يُبرر المعبقي موقفه بأن الحكومة "مديونة، عاجزة، ولا تُقدم الإيرادات"، وبالتالي لا يحق لها أن تفرض أولوياتها على حساب استقلالية البنك المركزي، الذي يضطلع حاليًا بمهام تتجاوز دوره التقليدي، ويشمل مهامًا تنفيذية ومالية تقع في صلب اختصاصات وزارة المالية والحكومة.


نفق مسدود

يُحذر الداعري من أن الوضع وصل إلى نفق مسدود، وأن كلا الطرفين – الحكومة والبنك المركزي – يمتلكان مبررات قانونية وإدارية مقنعة، لكن هذه المبررات "لا تعبأ بمعاناة المواطن"، وتُغيب أولوية الواجب الأساسي للدولة: صرف رواتب موظفيها وجنودها.

ويشير إلى أن الحل الوحيد الممكن لا يكمن في التفاوض بين الطرفين، بل يتطلب تدخلًا مباشرًا من مجلس القيادة الرئاسي، الذي يُعدّ الجهة العليا في الدولة، ويملك النفوذ الكافي لإلزام الجهات الحكومية بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، وتقديم الضمانات الكاملة للمحافظ كي يُمارس مهامه دون خوف من انتقام سياسي أو قانوني.

ويُحذر الداعري من أن أي محاولة لحل الأزمة عبر إقالة محافظ البنك المركزي ستكون كارثية، نظرًا للدعم الدولي الكبير الذي يتمتع به المعبقي من جهات فاعلة مثل صندوق النقد الدولي ومجلس التعاون الخليجي، الذين يراهنون عليه كضمانة للاستقرار المالي، وضد التدخلات السياسية في الشأن النقدي.


الحل بيد الرئاسي

في ختام منشوره الحاد، وجه الداعري رسالة مباشرة إلى الشعب اليمني، قال فيها: "وبالتالي فالحل بيد مجلس القيادة الرئاسي، حيث يكمن العطل والفساد والخراب أيها الشعب المنكوب.. والله على ما أقول شهيد."

وأضاف: "الموظف لا يملك راتبه، والجندي لا يُكافأ على تضحياته، والمواطن يُجبر على دفع ثمن صراعات النخبة. أما البنك المركزي فيُحاصَر بين واجب الاستقرار النقدي وانهيار الدولة، والحكومة تُماطل وتُحمّل الآخرين تبعات عجزها."


مآلات الأزمة

يُشير مراقبون اقتصاديون إلى أن استمرار هذه الأزمة سيؤدي إلى انهيار معنويات الجيش، وزيادة الانشقاقات، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وقد يُشعل احتجاجات شعبية واسعة في المدن الخاضعة للحكومة. كما أن تعطيل صرف المرتبات يُهدد بتمدد النفوذ المالي للبنوك غير الرسمية، وشركات الصرافة، ويعزز من الاقتصاد الموازي، مما يُضعف الدولة أكثر.

ويُجمع الخبراء على أن اليمن يمر بواحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية والسياسية في تاريخه الحديث، وأن حل الأزمة ليس اقتصاديًا فحسب، بل يتطلب إرادة سياسية عليا، وتصحيحًا جذريًا لمسار إدارة الموارد، ووقف توزيع الأولويات على أساس المحاصصة والولاءات.