كثير من اللقاءات الكروية التي جمعت المنتخبين اليمني والسعودي خلال العقود والسنوات الماضية كان لها نكهة خاصة عند عشاق ومحبي الكرة وتميزت بالندية والقوة والحماس ولكن هناك مباراة لم تنتسي من الذاكرة ولا تزال عالقة في ذاكرة وذهون كثير من الناس وحاضرة في عقولهم ولايزالوا يتذكرونها إلى يومنا هذا باحداثها وتفاصيلها ولم تغيب عن ذاكرتهم نظراً لاحداثها والمستوى الرائع والأداء الجميل وفوق العالي الذي قدمه المنتخب حينها وجمهوره الذي لفت الأنظار الذي مثل اللاعب رقم 12 بمؤازرته ووقوفه خلف المنتخب حتى آخر دقيقة من زمن هذه المباراة التاريخية التي تألقت فيها جميع لاعبي المنتخب دون استثناء تحت قيادة جهاز فني وطني تغلب فيه على كل الظروف والإمكانيات الكبيرة التي تفرق بين المنتخبين في كل شي ليثبت أن المعاناة بالفعل تولد الابداع.
هنا نريد نسرد لكم حكاية هذه المباراة التاريخية التي خاضها منتخب اليمن الديمقراطي أمام المنتخب السعودي الشقيق في ملعب الملز بالرياض عام 83م والاجواء التي سبقتها وماسادها قبل المباراة من لحظات مشحونة حينها لمنتخب اليمن الديمقراطي والصعوبات التي واجهته وبعض الأمور التي أدت إلى أنها معسكره حينها في سوريا الشقيقة، وكثير من متابعين الشأن الرياضي قد يجهلون الظروف التي واجهة المنتخب قبل وصوله إلى الرياض للمشاركة في بطولة كأس العرب في يوم موعد اولى مباراتهم أمام المنتخب السوداني الشقيق.
طبعاً المنتخب الوطني قاده جهاز فني مقتدر بقيادة المدرب الوطني الكابتن عزام خليفة ومساعده الكابتن الفقيد عبدالله خوباني وبالمقابل الجهاز الفني للمنتخب السعودي الشقيق كان تحت قيادة المدرب العالمي البرازيلي زاجالو ويضم المنتخب السعودي حينها لاعبين كبار وعلى مستوى عالي أمثال القائد صالح النعيمة والظهير الطائر محمد عبدالجواد والهداف ماجد عبدالله والحارس محمد المطلق والمهاجم شائع النفيسه ومجموعة من اللاعبين البارزين التي سخرت لهم كل الإمكانيات المتاحة وتهيئة الأجواء المناسبة ولا مقارنة لهم مع منتخبنا من جميع الجوانب الا جانب الموهبة والإبداع والروح القتالية التي تحلى بها لاعبي المنتخب الذي كان استعداده لم يكن كافي وبالشكل المطلوب وذلك عندما بدأ في معسكره الخارجي في سوريا يستعد للبطولة، وتم إنهائه وعودته إلى أرض الوطن بحسب توجهات القيادة السياسية والرياضية حينها ممثلاً في "الرئيس علي ناصر والوزير الرياضي احمد قعطبي" الذي ابلغوهم بعدم المشاركة والعودة إلى أرض الوطن وتم منح جميع اللاعبين إجازة مفتوحة لزيارة أسرهم ولم تعدي ايام محدودة الا وتم إبلاغ الجهاز الفني بعودة التجمع للمنتخب في العاصمة عدن وذلك لخوض مباراة أمام المنتخب الاثيوبي بعدن بمناسبة ذكرى الاستقلال المجيد ولعب المنتخب المباراة بحضور الرئيس علي ناصر محمد والسفير السعودي حينها الذي شاهدوا المباراة والأداء الرائع للمنتخب الذي مكنه من الفوز على المنتخب الاثيوبي بهدف المهاجم محمد حسن ابوعلاء، وحينها دار نقاش بين الرئيس والسفير السعودي حول مشاركة المنتخب في بطولة كأس العرب بالرياض خاصة بعد ظهوره بالمستوى الرائع وهو ما اقتنع به الرئيس علي ناصر محمد والاستاذ احمد قعطبي رئيس المجلس الأعلى للرياضة على المشاركة في البطولة وغادر المنتخب إلى الرياض ووصل نفس يوم مباراته أمام المنتخب السوداني واضطر الجهاز الفني أن يأخذ لاعبي المنتخب الى ملعب المباراة ظهراً من أجل يتحسس اللاعبين أرضية الملعب، وفي المساء كان موعد المباراة التي خاضها منتخبنا وانتهت لصالح المنتخب السوداني بهدف نجمه مصطفى النقر وسط حضور جماهيري كبير لم يعتاده لاعبي المنتخب.
وفي المباراة الثانية وهي الاهم التي جمعت منتخبنا أمام المنتخب السعودي والتي كانت جماهيرية من جانب الجمهور اليمني ومع دخول المنتخب أرضية الملعب اشتعلت المدرجات وتعالت أصواتها واهازيجها وهي تنشد "بالروح بالدم نفديك باليمن" وهو ما رفع من معنويات لاعبي المنتخب الذي دخل المباراة بروح قتالية عالية وتحدي كبير ومنذ دقائق المباراة الأولى ظهر لاعبي منتخبنا بمستوى عالي وكان ندا قوياً أمام المنتخب السعودي قدم خلالها لاعبيه مستوى كروي كبير لدرجة أن معلق المباراة الفلسطيني اكرم صالح قال هناك مدرستين للكرة في العالم ولكن اليوم تظهر مدرسة ثالثة ويقصد مستوى المنتخب منتخبنا الوطني الذي أبدع وأمتع الجمهور كمدرسة كروية ثالثة، وفي تلك المباراة التاريخية خسر منتخبنا إمكانيات قائده الكابتن عبدالله باعامر الذي غادر أرضية الملعب في بداية اللقاء متأثراً بالإصابة وحل بدلاً عنه النجم عوض حسن، وهو ما زاد من قوة التحدي من قبل لاعبي منتخبنا على مجاراة المنتخب السعودي، وحينها عزف الكابتن علي موسى اجمل موسيقى كروية وبجانبه صاحب الجهد الكبير طارق قاسم ومعهما الملك الاحمدي ومن خلفهما يتواجد رباعي الدفاع المرعب بقيادة الكابتن المقاتل طاهر باسعد الذي كان أبرز لاعبي المنتخب والفدائي جميل شرف والمدافع الجلاد عادل سعيد والظهير الأنيق حسين صالح ومن خلفهم الحارس العملاق ابراهيم عبدالرحمن، إضافة إلى خط المقدمة الذي تواجد فيه السبع عدنان سبوع والهداف محمد حسن ابوعلاء، حيث سبق المباراة وقام الجهاز الفني بنزول لاعبي المنتخب بوقت مبكر إلى أرضية الملعب لإجراء الإحماء حتى تبعد منهم رهبة الجمهور الكبير الذي امتلأت به مدرجات ملعب الملز الذي كانت أرضيته من مادة الترتان والتي لم يتعود عليها لاعبي منتخبنا لأنهم استخدموا أحذية نوع اديداس ذات الحبوب وليس أحذية الباتريك الخاصة بملاعب الترتان وقد سبب لهم مشكلة أثناء اللعب وحسب قول الكابتن شكري هاشم أنه في إحدى الهجمات سدد كرة ولكن فقد توازنه بسبب الحذاء وانحرف مسار الكرة بجانب القائم وحرم منتخبنا من هدف كان بالإمكان تغيير النتيجة، وبالتالي لم يكن منتخبنا سيء على العكس ظهر بمستوى عالي وكان نداً قوياً مستمد قوته من جمهوره الذي ابهر العالم وحينها قال المدرب السعودي "زاجالوا" برازيلي الجنسية اعطوني جمهوراً مثل هذا اضمن لكم بطولة كأس العالم.
استمر اللعب بين المنتخبين وتبادلوا الهجمات على مدار شوطي المباراة وفي منتصف شوط المباراة الثاني تمكن لاعب المنتخب السعودي شائع النفيسة من خدش الشباك اليمنية مستقلاً خطأ دفاعي عندما تزحلق المدافع اليمني بسبب الحذاء وفقدان توازنه في إبعاد الكرة بطريقة "دبلكي" كما تحصل مدافعنا الفدائي جميل شرف على كرت احمر اثر إعاقته بقوة مهاجم السعودية الفذ ماجد عبدالله ولم يدخل الياس في نفوس لاعبي منتخبنا وكانت هناك محاولات خطيرة في تعديل النتيجة منها كرة شكري هاشم التي مرت بجانب القائم وأيضاً رأسية محمد حسن ابوعلاء الذي أبعدها الحارس السعودي محمد المطلق في الدقائق الأخيرة للمباراة بصعوبة وهي رايحه إلى الشباك لينتهي هذا اللقاء الكروي التاريخي بفوز المنتخب السعودي على منتخب اليمن الديمقراطي بهدف نظيف.
في هذه المباراة التاريخية كان للجمهور اليمني "الشمالي والجنوبي" موقف وطني رائع وتوحدوا قبل تحقيق الوحدة اليمنية وتم رفع العلمين وهما متلاصقين مجسدين معاني كبيرة ووطنية في حب الوطن اليمني، وكان حينها المغتربين من شطرنا الشمالي لهم مميزات وخصوصيات في الأراضي السعودية والتعامل معهم أسوةً بالمواطن السعودي على عكس مغتربي شطرنا الجنوبي الذي كانت علاقة البلدين غير سوية، ولكن أبناء اليمن بشطرية جسدوا الروح الوطنية في تلك المباراة وكان موقف اخواننا المغتربين الشماليين بالذات أكثر من رائع تجاه منتخب الشطر الجنوبي الذي شجعوه بالروح بالدم نفديك يا يمن في موقف اخوي رائع.
بعد انتهاء المباراة حُوصر لاعبي منتخبنا في فندق الإقامة ولم يتمكنوا من الخروج من الفندق نظراً لكثرة الجماهير الكبيرة التي توافدت بجانب الفندق إلى وقت متأخر وعند خروجهم إلى الأسواق العامة بالمدينة وحظوا بحفاوة الإستقبال من قبل اليمنيين الذي بادلوهم التحية والتقدير تجاه ما قدموه من مستوى عالي وراقي في المباراة التي تميزت بالحضور الجماهيري الذي لم يسبق له مثيل في الملاعب السعودية.
يقول مدرب منتخبنا الوطني الكابتن عزام خليفة أنه تشرف بقيادة لاعبين موهوبين ومتميزين ومنضبطين وعلى خلق عالية وثقافة واسعة جمعوا بين الموهبة الكروية والتفوق العلمي وهو ما ساعده على قيادته المنتخب ونجاحه معه، وأوضح أن لاعبي المنتخب كانوا رجال داخل الملعب يؤدوا مهامهم على أكمل وجه بروح قتالية عالية ومستوى راقي وعالي لفت أنظار عشاق الكرة حينها، لافتاً إلى أن لاعبي المنتخب في ذاك الزمن لم يتقاضون اي أموال أو امتيازات ولكن حب الوطن والولاء له والدفاع عن رأيته هو هدفهم الأكبر والاسماء في قلوبهم.
اليوم منتخباتنا الوطنية الكروية تحظى بكل رعاية واهتمام وتتوفر لهم كل الإمكانيات المتاحة وتقديم لهم وسائل الدعم المادي والمعنوي ومع ذلك لم يكن لاعب المنتخب بمستوى واخلاص لاعبي الزمن الجميل في تضحياتهم واخلاصهم للعبة وحبهم لوطنهم والظهور بمستوى مشرّف وتميل وطنهم بصورة نموذجية ذات الأبعاد الوطنية.
رغم مرور عقود من الزمن إلا أن كثير من محبي وعشاق الكرة يتذكرون هذه المباراة التاريخية بتفاصيلها ولم تنتسي من الذاكرة والكل يشيد بالمنتخب رغم خسارته بخطأ دفاعي لم يكن في الحسبان ويكفي أن الجمهور الكبير الذي حضر المباراة ظل يؤازر المنتخب بقوة حتى نهاية المباراة واحتفلوا به بطريقة رائعة وبحب وعشق رياضي لا مثيل له لفت الأنظار في موقف يؤكد أن الرياضة عشق وولاء واخلاص وروح ومحبة تجمع عشاقها ومحبيها.
#فضل_الجونه_