قال السياسي العدني أحمد حميدان في أول حديث له عقب خروجه من المعتقل إن ما جرى له ليس سوى انعكاس لحالة وطنٍ مأزوم يعيش تشوهات فكرية وسياسية عميقة، مشيرًا إلى أن الاعتقال ترك أثرًا نفسيًا مؤلمًا لكنه لم يغيّر قناعاته في الدعوة إلى التسامح والسلام والشراكة الوطنية.
وأضاف حميدان: “لسنا دعاة عنف ولا فوضى، نحن دعاة تسامح وسلام القادر على إنتاج شراكة حقيقية، شراكة تعيد صناعة مجتمع متنوع متعدد. نستلهِم من أكتوبر المخاض السياسي الذي أنتج فكرتها وصاغ قيمها ومبادئها، نموذج عدن ما قبل الاستقلال، منشئ الحركة العمالية ونواة الحركة الوطنية اليمنية التي فجرت سبتمبر وأشعلت روح أكتوبر”.
وتابع قائلاً: “طردنا المستعمر، لكنه عاد ليمزقنا بالفتن. بالحروب كُسر التنوع، وغرقت البلاد في صراع أهلي لم يتوقف حتى اليوم، تُديره بندقية أريد لها أن توقف حدود التفكير عند شعار وراية. كل الحلول تتهاوى أمام الإقصاء والتهميش، والوعي يُقمع ليبقى لا صوت يعلو فوق صوت الحزب، فيما يُتهم الآخر بالخيانة أو العمالة”.
وأوضح حميدان أن المأساة الحقيقية تكمن في فرض مفهومٍ واحد للوطنية: “غصّة تعصر وعيك عندما يُفرض عليك أن تكون وطنيًا كما يريدون، وأن تقبل بوطن لا يشبهك ولا يلبي طموحاتك، في حين تُحاكم داخل عقلية النظام نفسه لتتحمل ثقل نعمته المزيفة وصحيفته المرصعة بالخيانة لكل مخالف”.
وأكد أن ما يُثار حول علم الشمال ليس سوى حالة “هستيرية تبحث عما يكسر الوعي”، لافتًا إلى أنه لو كانت هناك حرية حقيقية “لتشرفنا برفع علم الاستقلال ذاته الذي يرونه عارًا، والحقيقة أن العار أصابنا منذ أن تحاربنا على السلطة عقب الاستقلال، ورفعنا شعار (كل الشعب جبهة قومية) فاستبدلنا الثورة بالإقصاء، وصار شعارنا منذ ذلك الحين (ثورة ثورة لا إصلاح)”.
وأضاف: “من لا يؤمن بالإصلاح لا يؤمن بالبناء، وكلما ثرنا دمرنا، وبذاكرة مخرومة أصبحنا بلا عقل، تديرنا الهواجس والشكوك، فمكنّا الغازي والمغتصب، وفتحنا الأبواب أمام النفعيين والمنافقين ليسلموا الجمل بما حمل”.
وأشار إلى أن هذا الانحدار أنتج نظرية جديدة “لكي تكون وطنيًا عليك أن تكون عميلًا”، واصفًا إياها بالنظرية الانهزامية التي تُستخدم كوسيلة للتمكين والسيطرة. وأضاف: “تحولت الذاكرة الجمعية إلى قطيع يُقاد بعصا، ووعي ممسوخ من كل قيم الوطنية والإنسانية، ممزوج بالجهوية والعنصرية والكراهية التي لا تُنتج سوى وطنٍ مهدور وإنسان مغدور”.
وقال حميدان إن تجربة الاعتقال كانت نموذجًا لهذا الواقع: “بعضهم يملك السلطة ويستخدمها بالقمع والإهانة، لكن هناك رجال أمن متفهمون وواعون يدركون أن المعارضة ضرورة لاستقامة النظام، وبعضهم ودود وإنساني إلى حد بعيد”.
وختم بالقول: “أعتقد أنها تجربة تستدعي فترة نقاهة نعيد فيها قراءة مبادئنا وقيمنا، فلا أحد يمتلك الحقيقة وحده، فالأوطان المحترمة تُبنى بالتنوع والتعدد والشراكة السياسية والمعاملة الحسنة. دون ذلك لن يكون هناك وطن، بل جماعة تتحكم وعلى بقية الجماعات أن تناضل من أجل حقوقها”.
غرفة الأخبار / عدن الغد