في قلب الصحراء الشمالية لليمن، تتأهب محافظة الجوف لكتابة فصل جديد من تاريخها الزراعي، وهي تختبر فرصها في تحقيق زراعة مستدامة قد تغيّر ملامح الأمن الغذائي في البلاد.
فالمحافظة التي تمتد أراضيها الخصبة على مساحة تتجاوز 39 ألف كيلومتر مربع وتحتضن ثاني أكبر احتياطي مائي في اليمن، تمتلك كل المقومات لتكون سلة غذاء الوطن، لكنها ما تزال تواجه تحديات متشابكة تقف في طريق النهوض الزراعي المنشود.
واقع الزراعة بين الإمكانيات والمعوقات
يقول أمين زعقان، مدير مكتب الإرشاد الزراعي بالجوف، إن واقع الزراعة في المحافظة "متوسط"، موضحًا أن الطبيعة والمناخ يمنحان الجوف فرصًا واعدة، غير أن ضعف الإمكانيات المادية وغياب منظومة تسويق منظمة والتغير المناخي أدت إلى تراجع الإنتاج وجودة المحاصيل.
وأشار زعقان إلى أن موجات الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج أجبرت كثيرًا من المزارعين على تقليص نشاطهم أو التحول إلى محاصيل أقل كلفة.
الإرشاد الزراعي.. مدرسة في الميدان
وفي مواجهة هذه التحديات، يواصل مكتب الإرشاد الزراعي جهوده عبر برامج المدارس الحقلية والحقول الإيضاحية، التي تهدف إلى نقل المعرفة الزراعية الحديثة للمزارعين ورفع وعيهم بأساليب الزراعة الذكية.
وأكد زعقان أن تلك البرامج بدأت تؤتي ثمارها في تحسين مهارات المزارعين، لكنها ما تزال بحاجة إلى دعم مالي وفني منتظم لتوسيع نطاقها واستدامتها.
التقنيات الحديثة.. الأمل في الزراعة الذكية
تتجه الأنظار في الجوف نحو الزراعة الذكية باستخدام تقنيات الري بالتنقيط والطاقة الشمسية والزراعة العضوية، وهي أساليب يمكن أن تقلل من فاقد المياه بنسبة تصل إلى 40%، وتنتج محاصيل ذات جودة عالية وصديقة للبيئة.
ويؤكد زعقان أن إدخال هذه التقنيات يتطلب تمويلًا مستقرًا وبرامج تدريب مستمرة لضمان استفادة المزارعين في مختلف المديريات منها.
الشباب.. طاقة متجددة في الحقول
تضم الجوف أكثر من 440 ألف نسمة، ويشكل الشباب نسبة كبيرة منهم، ما يجعل الزراعة فرصة حقيقية لتوظيف طاقاتهم في مشاريع مبتكرة مثل الزراعة المائية وتربية النحل وإنتاج الأسمدة العضوية.
ويشير زعقان إلى أن الحماس والرغبة متوفرة لدى الشباب، لكن غياب التمويل يمثل العائق الأكبر أمام انطلاق مشاريعهم الواعدة.
التسويق.. الحلقة المفقودة
تعاني الجوف من ضعف شديد في التسويق الزراعي، إذ لا يوجد سوى سوق مركزي واحد، ما يؤدي إلى تسويق عشوائي للمحاصيل وتذبذب أسعارها.
ويؤكد مدير الإرشاد أن غياب منظومة تسويقية متكاملة يجعل المزارعين عرضة للخسائر، داعيًا إلى إنشاء أسواق منظمة وشبكات توزيع تربط المزارع بالمستهلك مباشرة.
نحو مستقبل زراعي مستدام
يرى زعقان أن تحقيق نهضة زراعية في الجوف يتطلب رؤية استراتيجية وطنية تعتمد على تشجيع الاستثمار الزراعي، ودعم البحث العلمي، وتعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الزراعية.
ويختم بقوله: "إذا ما وُجّهت الجهود بشكل علمي ومدروس، يمكن للجوف أن تتحول من صحراء هامدة إلى واحة خضراء تغذي اليمن وتدعم اقتصاده لعقود قادمة".