آخر تحديث :الخميس-23 أكتوبر 2025-05:40م
مجتمع مدني
على قيثارة العصر وشاهد التاريخ..

الشاعر محمود أبوبكر يُجلِّي المجتمع اليمني من خلال ابن هتيمل.. أطروحة دكتوراه تُوقِدُ مصباحاً في ظُلْمَةِ القرون

الخميس - 23 أكتوبر 2025 - 12:50 م بتوقيت عدن
الشاعر محمود أبوبكر يُجلِّي المجتمع اليمني من خلال ابن هتيمل.. أطروحة دكتوراه تُوقِدُ مصباحاً في ظُلْمَةِ القرون
(عدن الغد) مجيب الرحمن الوصابي:

في ثنايا الزمن المضطرب، وتحديداً في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، حيث كانت الأمة العربية والإسلامية تتجرع مرارة الاضطراب والتحولات، من نَكْسَةِ الخلافة العباسية تحت وطأة الغزو التتري المدمر، إلى حمّى الحروب الصليبية التي لم تخمد أوارها، كان لليمن نصيب من صراع العروش ودوران التاريخ. تلك الحقبة التي شهدت انتقال السيطرة من الأيوبيين إلى دولة الرسوليين الفتية، التي خاضت معارك البقاء والهيمنة، ممتدة النفوذ من مكة والمدينة شمالاً إلى ظفار الحبوضي جنوباً.


الشعر: مرآة الوجدان وسجلّ الزمان

إنّ الشعر، لم يكن قط مجرد زخرفة لفظية أو جماليات بيانية عابرة؛ بل هو مرآة الأمة الصادحة، وسِجِلُّ التجارب الذي لا يضلّ ولا ينسى. إنه وعاء التاريخ، ومُصوِّر الأعماق الاجتماعية، يختزل في أبياته دماء المعارك وهمسات العادات، فيغدو وثيقة أدبية تنبض بالحياة، تتجاوز الجماليات إلى كشف حقائق الماضي وعوامل الحاضر.


ابن هتيمل: نبضُ قرنٍ كامل

في هذا المعترك الزمني، يبرز اسم الشاعر القاسم بن علي بن هُتَيْمل الضمدي (توفي 696هـ)، الذي عانق قرناً كاملاً من التقلبات، متنقلاً بين ربوع اليمن والحجاز. لم يكن ابن هتيمل مجرد شاعر بلاط، يُسبِّحُ بحمد السلاطين والأئمة؛ بل كان شاهد عيانٍ أميناً، وراوية فذّاً، نسج في قصائده خيوط الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي، مُصوراً الصراعات والتباينات، مُختزناً الأخبار والأمثال. لقد تحوَّل شعره بذلك إلى مادة أثرية خصبة، تنتظر يداً تبحث عن نبض المجتمع اليمني في تلك الحقبة.


صاحب القيثارة والمنهج المتقن

هنا، تتجسد أهمية أطروحة الدكتوراه البارعة للباحث الشاعر محمود أبوبكر، التي اختار لها عنوان: "المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل". لقد جاء هذا الاختيار مدفوعاً بـميل روحي للتحليل الاجتماعي الأدبي، ورغبة في إعادة الاعتبار لابن هتيمل كـأحد أعمدة اليمن المنسية، مستخدماً شعره كمفتاح لكشف كنوز تاريخية أغفلتها كتب المؤرخين.


لقد اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، جامعاً بين سحر النقد الأدبي وصرامة النقد الاجتماعي، رابطاً النص الشعري بسياقه التاريخي، في بناء هيكلي متين. غاص الباحث في الواقع السياسي والاجتماعي (الصراع، التباين الطبقي)، ثم انتقل إلى الواقع الفكري والحضاري (الحياة الدينية والعلمية)، مستنداً إلى ثروة من المصادر التاريخية والجغرافية النادرة.


فرغم شحّ المصادر المعاصرة –وهو التحدي الأبرز– استطاع الشاعر محمود أبوبكر أن يُحوّل نصوص ابن هتيمل إلى وثيقة تاريخية صادقة، مُقدِّماً بذلك لبنة رصينة في صرح البحث العلمي، ومُنيراً آفاقاً جديدة لاكتشاف التاريخ اليمني بعين الأدب. لقد أهدانا محمود أبوبكر بـقيثارته البحثية عملاً جديراً بأن يكون شاهد التاريخ على قرنٍ مضطرب.