كتب/د. الخضر عبدالله:
في مشهدٍ يعكس حجم التحديات التي يواجهها القطاع الصحي بمحافظة عدن، أُغلق مؤخرًا مستوصف حي عبدالقوي بمديرية الشيخ عثمان بعد سنواتٍ من تقديم الخدمات الطبية للمواطنين في الحي والمناطق المجاورة. جاء الإغلاق بعد معاناة طويلة عاشها الكادر الطبي والإداري نتيجة حرمانهم من التوظيف، في ظل شكاوى متكررة من غياب الدعم والتفاعل من قِبل مكتب الصحة بالمديرية والمحافظة . واستمر الكادر الطبي والإداري في أداء مهامهم بشكل تطوعي، مكتفين بحافز زهيد للغاية.
الأمر الذي دفع العاملين إلى التوقف الكامل عن العمل وإغلاق المستوصف بشكل نهائي.
مستوصف بلا دعم... وكادر بلا رواتب
كان مستوصف حي عبدالقوي واحدًا من أبرز المراكز الصحية في مديرية الشيخ عثمان، حيث مثّل نافذة أمل لسكان الحي، وملاذًا للمرضى الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة.
لكن ذلك الأمل بدأ يتلاشى تدريجيًا مع تراكم الأزمات الإدارية والمالية، إذ يؤكد العاملون في المستوصف أنهم لم يتسلموا حوافزهم اازهيدة التي لا تكاد تذكر ممذ أشهر، ما اضطر الكثير منهم إلى ترك مواقعهم، بعد أن عجزوا عن الاستمرار في العمل دون مقابل مادي يعينهم على مواجهة ظروف الحياة.
يقول أحد الممرضين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه:
"نحن نعمل منذ سنوات في هذا المستوصف، وكنا نتحمل رغم ضعف الإمكانيات، لكن عندما توقفت الرواتب تمامًا لم يعد باستطاعتنا المواصلة.
واضاف" بعض أفراد الكادر يأتون من محافظة أبين للعمل في المستوصف، إلا أن الحافز الزهيد لم يعد يغطي حتى تكاليف المواصلات لأسبوع واحد.
ويقول في حديثه: "لدينا أسر وأطفال والتزامات معيشية. طالبنا مكتب الصحة مرارًا لكن لم نجد أي استجابة."
مكتب الصحة... غياب واضح ومسؤولية ضائعة
الاتهامات الموجهة لمكتب الصحة في المديرية لم تأتِ من فراغ. فبحسب مصادر داخل المستوصف، لم يتلقَ المركز أي دعم تشغيلي منذ أشهر طويلة، سواء من حيث الأدوية أو المعدات أو المخصصات التشغيلية، الأمر الذي أدى إلى تدهور الخدمات الصحية تدريجيًا حتى توقفت بشكل كامل.
يقول أحد الإداريين في المستوصف: "رفعنا أكثر من مذكرة رسمية لمكتب الصحة، طالبنا فيها بالتدخل السريع وصرف مستحقاتنا، أو على الأقل توفير الدعم اللازم لتشغيل المستوصف، لكن للأسف، لم نجد سوى الوعود. ومع مرور الوقت، أصبحت الأزمة أكبر من قدرتنا على التحمل."
ويضيف:"هناك حالة من الإهمال الواضح، وكأن المستوصف خارج حسابات الجهات المعنية، رغم أنه يخدم شريحة واسعة من السكان، أغلبهم من ذوي الدخل المحدود."
المرضى بين الألم والانتظار
إغلاق المستوصف لم يؤثر فقط على الكادر الطبي، بل انعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين في حي عبدالقوي والمناطق المجاورة.
فالمرضى، خاصة كبار السن والأطفال، يجدون أنفسهم الآن مجبرين على قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي، أو دفع مبالغ باهظة للعلاج في المستشفيات الخاصة، ما فاقم معاناتهم الصحية والمعيشية.
تقول المواطنة أم فهد، وهي من سكان الحي: "كنا نعتمد على المستوصف بشكل كبير. كان قريب من البيت، والعلاج فيه بأسعار بسيطة. الآن بعد إغلاقه، نضطر نروح لمستشفى بعيد، والمواصلات مكلفة، غير طوابير الانتظار الطويلة."
أما المواطن عبدالكريم، وهو والد لطفلين، فيضيف بأسى: "ابني مريض بالربو، وكنا نتابع حالته في المستوصف، الآن كل مرة نضطر نروح لمستشفى خاص وندفع فوق طاقتنا. نتمنى من مكتب الصحة أن يتحرك بسرعة، لأن المستوصف ضروري لنا."
انهيار الخدمات... وغياب الحلول
المشهد الحالي في المستوصف يعبّر عن حالة من الركود الكامل.
الأبواب مغلقة، والأجهزة الطبية مغطاة بالغبار، وغرف الفحص خالية من الأطباء والممرضين الذين اعتاد المواطنون رؤيتهم يوميًا.
حتى الأدوية القليلة التي كانت متوفرة في الصيدلية نفدت، ولم يتم توريد أي بديل منذ فترة طويلة.
وبحسب أحد العاملين ، فإن المستوصف كان يعتمد في تشغيله على دعم من منظمة الهجرة الدولية وبعض المساهمات المجتمعية، لكن مع انقطاع الدعم الرسمي من منظمة. الهجرة، تدهور الوضع تدريجيًا إلى أن وصل إلى نقطة الإغلاق الكامل.
ويشير إلى أن "المستوصف كان يستقبل يوميًا ما لا يقل عن 150 مريضًا من مختلف الأعمار، معظمهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف المستشفيات الخاصة، واليوم هؤلاء المرضى بلا بديل مناسب."
نداءات عاجلة لإنقاذ المرفق الصحي
أمام هذا الوضع، يطالب الأهالي والعاملون على حد سواء بضرورة تدخّل السلطات المحلية ووزارة الصحة بشكل عاجل لإعادة تشغيل المستوصف وضمان صرف مستحقات الموظفين، حتى يتمكنوا من العودة إلى أعمالهم وتقديم الخدمات للمواطنين من جديد.
كما دعا عدد من الناشطين في الحي إلى فتح تحقيق شفاف حول أسباب إهمال مكتب الصحة وعدم اتخاذه أي إجراءات عملية لمعالجة الأزمة قبل أن تتفاقم.
يقول المواطن محمد قاسم :"هذا المستوصف هو شريان حياة لآلاف المواطنين، ولا يمكن السكوت عن إغلاقه بهذه الطريقة. يجب أن تكون هناك مساءلة حقيقية، لأن الإهمال في المجال الصحي يعني التهاون بأرواح الناس."
خاتمة: أزمة تكشف هشاشة النظام الصحي
إغلاق مستوصف حي عبدالقوي لا يمثل حادثًا معزولًا، بل يعكس أزمة أعمق يعيشها القطاع الصحي المحلي نتيجة غياب الإدارة الفعّالة وضعف الرقابة والدعم الحكومي.
إن ترك المرافق الصحية تنهار بهذه الطريقة يُنذر بعواقب إنسانية خطيرة، ويطرح تساؤلات جادة حول أولويات الجهات المسؤولة، ودورها في حماية حق المواطنين في الحصول على الرعاية الصحية.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه العاملون توظيفهم وصرف رواتبهم، والمرضى إعادة فتح المستوصف، يبقى الأمل معلقًا على أن تتحرك الجهات المختصة لإنقاذ هذا المرفق قبل أن يتحول إغلاقه إلى مأساة دائمة في ذاكرة سكان حي عبدالقوي.