في أكتوبر/تشرين الأول 2022، قررت مجموعة من النساء تأسيس الموقع الإلكتروني "أرشيف المرأة اليمنية"، بمبادرة من الباحثة والشاعرة سبأ حمزة، بالتعاون مع الفنانة التشكيلية جهاد جار الله، ليكون بمثابة مساحة للمعارف الناشئة من تجاربهن في اليمن والشتات.
تقول مؤسسة الأرشيف، سبأ حمزة، لـ"العربي الجديد": "انبثقت الفكرة من الحاجة إلى مواجهة التهميش المعرفي الذي عانت منه النساء على مدار التاريخ اليمني، وإلى بناء مساحة تحفظ تجاربهنّ، وتقدّمها بوصفها معرفة تنتج وتؤثر. انطلقنا من حاجة عميقة إلى الإنصات، وأردنا أن نخلق مساحة يمكننا فيها أن نتحدث معاً عبر الزمن وعبر اللغات وعبر المسافات".
تضيف: الأرشيف يتنفّس من خلال القصص التي تختار النساء أن يروينها، ومن خلال الصمت الذي يحملنه، ومن خلال الأفعال الإبداعية التي تقاوم المحو. هو فعل استعادة، وطريقة نستعيد بها الذاكرة. إنه مشروع معرفي واجتماعي ينطلق من تجربة اليمنيات، ويسعى إلى إعادة بناء الذاكرة، وهو يجمع بين البحث والفنّ والرواية الشفوية، ويحوّل التوثيق إلى فعلٍ نسوي يستعيد الحكايات الصغيرة التي تشكّل التاريخ الكبير من خلال القصص والصور والرسائل والمشاريع الفنية".
وتوضح حمزة: "يتيح الأرشيف مساحة تشاركية تنصت فيها النساء لأنفسهنّ، وتتحوّل فيها الذاكرة إلى أداة للعدالة والرعاية والمعرفة. نريده حركة فكرية تعيد تعريف معنى الأرشفة في زمن الحرب والمنفى، وتحوّل الذاكرة من حقلٍ مغلق إلى فضاءٍ للحياة والكتابة والقدرة على التحمل، كما يعمل الأرشيف على توثيق تجارب النساء في اليمن وفي المهجر، عبر جمع القصص الشخصية والصور والرسائل واليوميات، فضلاً عن الأعمال الفنية، وتتنوّع مصادره بين المقابلات الشفوية، ومشاريع الكتابة الإبداعية التي تنسج خيوط الذاكرة الفردية بالجماعية".
تتابع الشاعرة اليمنية: "تتكون من خلال هذه المساهمات شبكة حيّة تربط اليمنيين واليمنيات عبر القارات، وتحوّل الشتات إلى جسر للذاكرة المشتركة. يرتكز المشروع بالأساس على نقد ما أسميه (العنف المعرفي)، وأقصد به تغييب النساء عن السرد التاريخي، وتجريدهن من أحقية الحكي والتمثيل. من هذا المنطلق، يأتي الأرشيف ممارسة لاستعادة توازن الذاكرة، وأداة لبناء سرد بديل يعترف بتعدد التجارب النسائية اليمنية".
ويمنح الأرشيف مساحة للفنون البصرية والكتابة الإبداعية بوصفها أشكالاً من الأرشفة، وبحسب سبأ حمزة، فإن "لوحة، أو قصيدة، أو تسجيلاً صوتياً، قد يحمل ما تعجز عنه وثيقة رسمية، ومشروع (جدارية هنّ) الذي احتفى بأصوات نساءٍ من داخل اليمن مثال على هذا؛ إذ تداخلت فيه الصورة والنصّ والشهادة لتكوّن أرشيفاً مفتوحاً للحياة اليومية في مواجهة الحرب".
وعقد الأرشيف شراكات مع مؤسسات ثقافية وأكاديمية ومتاحف، من أبرزها متحف العالم في روتردام، الذي استضاف مؤخراً فعالية "أرشيف شتات هنّ" ضمن سلسلة "تخيل السلام"، وخلال السنوات الثلاثة الماضية، حظي الأرشيف بدعمٍ من السفارة الهولندية في اليمن، كما حصل على منحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون.
ويُدار الأرشيف، بنسختيه العربية والإنكليزية، عبر الفضاء الإلكتروني، ويضم مساهمات نساء من صنعاء وعدن وتعز والمكلا، ومن القاهرة، ولوس أنجليس، وأمستردام. "هذه الجغرافيا المفتوحة تُحوّل الأرشيف إلى شبكة من العلاقات، وإلى بيتٍ متخيَّل تتقاطع فيه الأصوات، وتتجاور فيه التجارب"، بحسب حمزة.
ويتطلّع المشروع في مرحلته القادمة إلى توسيع نطاق التوثيق، ليشمل جيل الشابات في اليمن والمهجر، وإلى إنشاء مكتبة رقمية مفتوحة للبحوث والمشاريع الفنية المتخصصة في موضوعات المرأة اليمنية، كما يخطط لإطلاق سلسلة من المعارض تجمع الباحثات والفنانات وصانعات الحكايات حول مفهوم الأرشفة كفعل اجتماعي ومعرفي.
تقول الفنانة التشكيلية، إميليا الحميري، لـ"العربي الجديد": "انضمامي إلى (أرشيف المرأة اليمنية) كان بمثابة انتقال حقيقي من مرحلة إلى أخرى؛ مرحلة أكثر وعياً بذاتي الفنية، وأكثر وضوحاً في رؤيتي لما أريد أن أصل إليه. منحني الأرشيف الكثير في وقت كنت أبحث فيه عن مرشد يدلّني إلى الطريق، وعن مساحة مشاركة وظهور حقيقي بعد سنوات طويلة من الاختباء".
بدورها، تقول المؤسسة المشاركة للأرشيف، جهاد جار الله، وهي كاتبة وفنانة تشكيلية لـ"العربي الجديد": "أشارك نساء مخلصات في صنع الأرشيف كي لا نفقدَ المزيد من النساء، وكي لا يبتلعنا النسيان".
وترى الفنانة التشكيلية، غادة أنعم، أن "الأرشيف سيبقى مبادرة ثقافية وفنية فريدة انبثقت بجهود نساء يمنيات فخورات بما كان، وأكثر فخراً بما سيكون". وتضيف لـ"العربي الجديد": "ساهم الأرشيف خلال عمره القصير في جمع وتوثيق قصص وتجارب متناثرة لنساء يمنيات، ثم في الاحتفاء بها، كما لعب دوراً حيوياً في حفظ ذاكرتهن التاريخية والاجتماعية، في إطار من السرد والتصوير. إنه تعزيز لحضور المرأة اليمنية في مساحة صغيرة مرئية، ومنبر جهور يشبه دورها وطموحها".