آخر تحديث :الخميس-04 ديسمبر 2025-08:52ص
ملفات وتحقيقات

عقد من التيه والانكسار.. ما الذي تخبئه الأيام للناس في اليمن؟

الخميس - 04 ديسمبر 2025 - 08:33 ص بتوقيت عدن
عقد من التيه والانكسار.. ما الذي تخبئه الأيام للناس في اليمن؟
(عدن الغد) أسامة عفيف – الحلّ نت:

يعيش اليمن منذ عقد من الزمن تحت وطأة حرب مدمرة، تسببت بها جماعة “الحوثي”، ومن خلفها مشروع إيران في المنطقة العربية، في وقت يقف فيه الشعب اليمني على حافة الانكسار الكامل.

وعملت جماعة “الحوثي” منذ سنوات، على تصدير الكوارث المستمرة، حيث أدت سياساتها التدميرية إلى تجويع المواطنين، وتدمير مؤسسات الدولة، وجعلت البلاد على شفا انهيار شامل.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه الجماعة عن السلام وخارطة الطريق، تكشف التحركات العسكرية الأخيرة والجاهزية القتالية، أنها لا تسعى إلا للحرب والتوسع على حساب اليمنيين.

وبينما تصدر التصريحات السياسية حول الالتزام بالمسار الأممي، تنفذ جماعة “الحوثي” على الأرض خطوات عكسية، تشمل استقدام مقاتلين من مناطق متعددة، استعراضات مسلحة، تحشيد قبلي، وخطاب تعبئة يذكّر بجولات التصعيد السابقة.


ويرى خبراء في الشأن السياسي اليمني، أن جماعة “الحوثي” لا يمكن أن تكون طرفاً في أي حوار قادم، لأنها أداة حرب إيرانية عابرة للحدود، تستخدم أي فرصة لتأكيد مشروعها العسكري، والسيطرة على مفاصل الدولة والموارد، متجاهلة كل الجهود الدولية والإقليمية الرامية للسلام.


وبهذه الطريقة، يصبح أي حديث عن التفاوض مع جماعة “الحوثي”، مجرد وهم وضرب من ضروب الجنون، لأنها جماعة “تنمو وتزدهر في الحرب”، وأهدافها الحقيقية لا تتماشى مع أي صيغة سلام.


قراءة في المشهد الراهن

المحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع، عضو مؤتمر الحوار الوطني، في تصريح خاص لـ”الحل نت”، يصف الوضع قائلاً، بأن “المشهد اليمني اليوم يقف عند مفترق طرق، ولا يمكن القول إنه يتجه بخط مستقيم نحو الانفراج أو التصعيد، حيث يمكن وصف الوضع بالجمود القابل للاشتعال”.

ويوضح الشجاع، أن الجمود ناتج عن وصول جماعة “الحوثي” إلى سقفها العسكري والسياسي، بينما الوضع قابل للاشتعال بسبب التوترات في المحافظات المحررة، فأي اختلال في التوازن أو تغير الموقف الخارجي، يمكن أن يثير انفجاراً واسعاً.

ويضيف أن أي انفراج محدود يظهر فقط عبر الحوار الإقليمي بين السعودية وإيران، لكنه لا ينعكس فعلياً على الداخل، لأن الأطراف المحلية المناهضة لجماعة “الحوثي” غير موحدة، ولا تمتلك رؤية مشتركة.


وبحسب الشجاع، فإن اليمن يعيش حالة “سلطات أمر واقع متعددة على الأرض، جيوش متعددة، موارد تٌدار بشكل منفصل، وعلاقات خارجية غير موحدة”.


ويؤكد الشجاع، أن الحل يتطلب خطوات حقيقية، تشمل إعادة بناء شرعية مؤسسية جديدة بمشاركة الجميع، مع دمج أمني تدريجي لإنشاء جيش وطني، وتوافق إقليمي واضح يمنع المشاريع الموازية.


واقع اقتصادي منهار

على الصعيد الاقتصادي، يحذر الخبير علي التويتي من أن “الوضع في اليمن أسوأ مما يتخيله الكثيرون، وهناك كارثة حقيقية قد تعصف بالمواطنين”.

وتسببت سياسات جماعة “الحوثي” في جمع الإيرادات، واحتكار الموارد بعيداً عن الدورة النقدية، مما أفقر المواطنين، خصوصاً الطبقة الوسطى، التي كانت تشكل القوة الشرائية الكبرى في السوق المحلي.


ويشير التويتي، إلى أن تحرير الدولار الجمركي في عدن وصنعاء، رفع أسعار السلع بشكل كبير، بينما بقي المواطنون بلا رواتب أو فرص عمل.


ويضيف، “الدورة النقدية تدخل إلى البنوك ولا تخرج في مصارفها الحقيقية، مثل رواتب الموظفين أو خدمات البنية التحتية، ما يشبه وريداً مثقوباً ينزف الدماء”.

ويؤكد التويتي أن جماعة “الحوثي” نجحت في جمع الإيرادات، وإصلاح الأوعية الإيرادية للدولة، لكن الأموال لا تٌصرف لتحسين حياة الناس، ما أدى إلى ركود اقتصادي واسع وكساد شديد.


المواطن بين الاستهلاك والانكسار

مع استمرار سيطرة جماعة “الحوثي” على العاصمة صنعاء، فقد اليمنيون الثقة بجميع الأطراف، ويؤكد الشجاع ذلك بالقول، إنه “لا يوجد طرف يملك رصيداً شعبياً ثابتاً، حيث استهلك الجميع خلال الحرب”.

ويضيف أن استعادة الثقة، تتطلب خطوات ملموسة تشمل تحقيق نتائج حقيقية على الأرض مثل الكهرباء والرواتب والأمن، قيادة جديدة جزئياً تجمع بين الخبرة والوجوه غير المستهلكة، وعملية سياسية شفافة تشمل مصالحة وطنية ومحاسبة عادلة لمرتكبي الانتهاكات.

ويمثل الصراع في اليمن، جزءاً من صراع إقليمي أكبر، تسببت فيه جماعة “الحوثي”، من خلال معاركها العابرة لحدود البلاد، وسيظل أي اتفاق سلام هشاً وقابلاً للانهيار دون تفاهم إقليمي حقيقي، خصوصاً بين السعودية وإيران.


فرص اقتصادية ضائعة

يشدد التويتي على أن اليمن يمتلك موارد هائلة، يمكن تفعيلها للنهوض بالاقتصاد، لكن استمرار سيطرة أطراف الصراع على الإيرادات يؤدي إلى ركود مستمر.

ويضيف، “التحول إلى الطاقة الشمسية يمثل فرصة حقيقية لتقليل تكلفة الإنتاج في المصانع والمرافق والخدمات، وبالتالي تخفيف العبء على المواطنين”.

وتسببت سياسات جماعة “الحوثي” في تضخم واسع واستنزاف شامل للاقتصاد، بينما المبادرات المدنية والقطاع الخاص، تواجه صعوبة في النهوض بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج.


ما الذي تخبئه الأيام لليمنيين؟

بعد عقد من الحرب والانكسار، لا يبدو مستقبل اليمنيين قريباً من الانفراج، فـ”الـجمود القابل للاشتعال” يلوح في الأفق، وفقدان الثقة لدى المواطنين يجعل أي اتفاق هشاً.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن استمرار سياسات جماعة “الحوثي” التدميرية تؤدي إلى مزيد من الفقر وانخفاض القدرة الشرائية لدى الناس، وحتى حدوث مجاعة كارثية ستؤثر على الشعب اليمني بأكمله.

ويخلص الشجاع إلى أن “ما يحتاجه اليمن اليوم ليس مؤتمرات أو مبادرات جديدة، بل إعادة تعريف الدولة نفسها، من يمثلها، ما شكلها، وكيف تٌدار مواردها”.


ويضيف، “الحل لا يكون عبر تسويات سياسية مؤقتة، بل عبر مشروع وطني جامع لا يقوم على إقصاء أحد، ولا يمنح أي طرف حق الفيتو على مستقبل البلاد”.


وإذا أراد اليمنيون تجاوز عقد من التيه والانكسار، فإن الخطوة الأولى التي يجب أن تنتهي هي سيطرة جماعة “الحوثي” على مفاصل الدولة، لاستعادة مؤسسات الدولة وإصلاح الاقتصاد.

وحتى ذلك الحين، سيظل اليمنيون أسرى لمعاناة مستمرة، وأيامهم القادمة تحمل المزيد من الانكسار والفقر والجوع، دون أي بادرة أمل تٌرجى في المرحلة المقبلة.