كتب: عبدربه العمري
بعد حرب عام 1994م، تفرّق الأصدقاء، وتباعدت الدروب، ولم تجمعهم الأقدار لسنوات طويلة فرضتها ظروف قهرية صنعتها الحرب. غير أن ما تفرقه السياسة والحروب، قد تعيده الصدفة الجميلة حين يشاء الله.
يروي العميد عبدربه العمري قصة لقاء مؤثر أعاد الدفء إلى الذاكرة، ويقول:
مضت أعمارنا في رحلات وأسفار بحثًا عن وطنٍ يتسع لنا، وعن مكانٍ يجمع ما تشتت من أرواحنا. كانت أقدارًا كُتبت بأمر الله، فرّقتنا قسرًا، ثم عادت بعد ستة وعشرين عامًا لتجمعنا على حين غفلة.
على أحد مقاعد طائرة الخطوط الجوية اليمنية، وفي رحلة متجهة إلى جزيرة سقطرى الجنوبية، كان اللقاء غير المتوقع مع الأخ والصديق العميد محمد علي ناجي البرطي. لقاء حمل عناق الإخوة الصادقين، وأعاد نبض الذكريات إلى قلبٍ أنهكته السنين. ورغم تغيّر الملامح وبياض الشيب الذي غزا الرؤوس، كان التعارف سابقًا للزمن، وكانت الأرواح أصدق من الملامح.
لقاء بين الأرض والفضاء، ليؤكد أن الروابط الصادقة لا تبهت مهما طال الفراق. سنوات طويلة مرّت دون لقاء، بفعل حرب غزو واجتياح الجنوب من قبل نظام صنعاء عقب فشل الوحدة اليمنية عام 1994م، حرب حوّلت أبناء الوطن إلى غرباء، وسرقت الأحلام والمستقبل في لحظة قاسية.
واليوم، يلتقي الرفاق مجددًا على أرض جزيرة سقطرى، كلٌّ يؤدي مهامه ضمن قوات الجيش الجنوبي، في مشهد يعكس عودة الروح والأمل. لم تكن الرحلة سفرًا عابرًا، بل كانت استعادة لذكريات جميلة، ووقفة مع الذات، ومعنويات عالية تعانق السماء عقب استكمال تحرير الأرض الجنوبية، ولا سيما وادي حضرموت والمهرة وبقية المناطق الصحراوية التابعة لدولة الجنوب، بعد تضحيات جسيمة قدمها شعبنا وقواتنا المسلحة الجنوبية
هنا، حيث يعود الأمل ويستقيم الطريق، يتجلى المعنى الحقيقي للوفاء، وتثبت الأيام أن ما جمعته القلوب لا يمكن للسنين أن تفرقه.
وبمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس كلية الطيران الجنوبية، يبعث العميد عبدربه العمري أسمى آيات التحية والسلام إلى زملائه وأصدقائه، ضباط الدفعة الأولى من خريجي كلية الطيران بدولة الجنوب، الدولة التي ما زال الحلم باستعادتها يقترب، قاب قوسين أو أدنى.