قال الأستاذ عبدالرزاق الهجري، عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح ورئيس كتلته البرلمانية، إن استعادة الدولة اليمنية تمثل الأولوية القصوى لأي مسار سياسي أو أمني، محذرًا من أن أي خطوات أحادية أو تحركات مسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة الشرعية لا تؤدي إلا إلى تقويض سلطتها وإضعاف مشروع استعادة الدولة، وتمنح جماعة الحوثي مكاسب سياسية مجانية عبر تسويق نفسها كطرف يدّعي الدفاع عن وحدة البلاد.
وجاءت تصريحات الهجري خلال جلسة حوار دولي عُقدت في العاصمة البريطانية لندن ونظمها المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، بحضور دبلوماسيين وباحثين ومسؤولين بريطانيين ودوليين، خُصصت لمناقشة التطورات الميدانية في شرق اليمن، ومسار السلام، وملف الأسرى والمختطفين، إضافة إلى العلاقات الإقليمية، وجدلية ارتباط حزب الإصلاح بجماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح الهجري أن ما شهدته المحافظات الشرقية خلال الأيام الماضية، وفي مقدمتها حضرموت، كان «صادمًا ومؤسفًا»، لافتًا إلى أن هذه المحافظات كانت تُعد من أكثر المناطق استقرارًا نسبيًا، وكانت مؤسسات الدولة فيها تعمل بشكل أفضل مقارنة بمناطق أخرى، قبل أن تشهد – بحسب تعبيره – تحركات ميدانية نفذتها قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية وأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة.
واعتبر أن هذه التحركات تتناقض مع اتفاق الرياض وقرار نقل السلطة ومخرجاته، لأنها تؤدي إلى خلق سلطات موازية، وإرباك المشهد الأمني والسياسي في مناطق لم تكن تشهد توترًا حادًا، مؤكدًا أن المستفيد الوحيد من هذا الوضع هو جماعة الحوثي التي تسعى إلى توظيف الانقسامات داخل معسكر الشرعية لصالحها.
وربط الهجري بين التصعيد الأخير وأزمة أعمق تتعلق بتماسك منظومة الشرعية، مشيرًا إلى أن الانقسامات داخل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة قائمة منذ فترة، وأن ما جرى في الشرق يوسّع هذه الانقسامات ويضعف قدرة الشرعية على التقدم نحو استعادة الدولة، سواء عبر المسار السياسي التفاوضي أو عبر الوسائل الدستورية الأخرى.
وفي رده على التساؤلات المتعلقة بتأخر صدور موقف حزب الإصلاح من التطورات الأخيرة، أوضح الهجري أن الحزب فضّل إصدار موقفه ضمن إطار «التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية» وبصيغة موحّدة بعد اتضاح الصورة رسميًا، مؤكدًا أن غالبية مكونات التكتل أدانت ما وصفته بالخطوة الأحادية التي جرت خارج مؤسسات الدولة.
وتطرق الهجري إلى ملف الأسرى والمختطفين، معربًا عن أمله في تحقيق اختراق في المفاوضات الجارية في مسقط، واصفًا هذا الملف بأنه «إنساني ومؤلم وشائك»، ومشيرًا إلى وجود حالات إخفاء قسري وغياب معلومات عن محتجزين منذ سنوات، وفي مقدمتهم السياسي محمد قحطان. وأكد دعمه لصيغة «الكل مقابل الكل»، محمّلًا جماعة الحوثي المسؤولية الرئيسية عن تعطيل هذا الملف خلال الفترة الماضية.
وعن مسار السلام وخارطة الطريق التي طُرحت قبل أحداث السابع من أكتوبر، قال الهجري إن الحكومة ومجلس القيادة وافقا على المضي فيها مع إبداء ملاحظات، إلا أن الحوثيين – بحسب قوله – تنصلوا منها عبر التصعيد البحري واستهداف خطوط الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما أدخل اليمن في مرحلة أكثر خطورة وألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية والاقتصاد الوطني.
وأوضح أن الإصلاح، كقوة سياسية، لم يتسلم نسخة مكتوبة وواضحة من خارطة الطريق، لكنه أشار إلى أن ما تم تداوله رسميًا يتضمن مراحل تشمل وقفًا شاملًا لإطلاق النار، ومعالجة ملف المرتبات والأسرى، ثم حوارًا حول ترتيبات المرحلة الانتقالية والملف العسكري، وصولًا إلى حل سياسي نهائي.
وجدد الهجري تمسك حزب الإصلاح بالمرجعيات الحاكمة لأي تسوية سياسية، وفي مقدمتها مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مؤكدًا أن رؤية الحزب تقوم على بناء دولة اتحادية متعددة الأقاليم تضمن توزيعًا عادلًا للسلطة والثروة، ومعالجة الاختلالات التي أنتجتها المركزية المفرطة في الماضي. وشدد على أن أي سلام مستدام يجب أن ينهي الانقلاب، ويقضي بحصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء سيطرة الجماعات المسلحة، وبناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية وسيادة القانون.
وفي ما يتعلق بالعلاقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، فرّق الهجري بين الخلاف مع الحوثيين الذي وصفه بأنه «وجودي»، وبين الخلاف مع الانتقالي الذي قال إنه «سياسي» يتعلق بتباين المشاريع والرؤى. وأكد أن الإصلاح عقد أكثر من لقاء سابق مع قيادات في المجلس الانتقالي، وجرى النقاش حول القواسم المشتركة، وعلى رأسها استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين، مع التأكيد على أن أي مشاريع سياسية يجب أن تُطرح للنقاش عبر حوار مسؤول وبمشاركة مختلف المكونات، ثم الاحتكام لاحقًا إلى استفتاء في ظل دولة مستقرة.
وعن وضع الحزب بعد عشر سنوات من الحرب، قال الهجري إن الإصلاح تضرر، كغيره من القوى السياسية، من انقلاب الحوثيين الذي جرف الحياة السياسية وأغلق الأحزاب والمنابر، إلا أنه أكد أن الحزب لا يزال متماسكًا وحاضرًا في مختلف المحافظات، مع تفاوت في مستوى النشاط تبعًا لسلطات الأمر الواقع.
وأشار إلى أن الحزب نفذ خلال العامين الماضيين انتخابات داخلية في نحو 90 في المئة من المحافظات، وغيّر قرابة 70 في المئة من أعضاء الأمانة العامة، وكلف قيادات شابة، إلى جانب تشكيل لجان لمراجعة أدبيات الحزب ولوائحه وبرنامجه السياسي، بهدف تحديثه بما يتلاءم مع المتغيرات.
وتناول الهجري ملف تمكين المرأة والشباب، معتبرًا أن الثقافة الأبوية السائدة في المجتمع تنعكس على الأحزاب، لكنه أكد وجود توجه داخل الإصلاح لتوسيع دور الشباب والمرأة في المرحلة المقبلة، مع إقراره بغياب التمثيل النسائي في الحكومة الحالية، موضحًا أن الحزب ناقش ترشيح امرأة ضمن حصته الوزارية لكن اعتبارات أخرى حالت دون ذلك.
وفي الشأن الفلسطيني، أكد الهجري أن موقف الإصلاح ثابت في دعم حق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، منسجمًا مع الموقف الرسمي للحكومة اليمنية والمبادرة العربية للسلام، معتبرًا أن طول أمد الانسداد السياسي وفقدان الأمل أسهما في تفجير الأوضاع. وفي المقابل، أدان الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، معتبرًا أنها أضرت باليمن واقتصاده وأمن الملاحة الدولية، ولا تخدم القضية الفلسطينية، بل تستدعي ضربات خارجية تزيد من معاناة اليمنيين.
وفي ما يخص العلاقات الإقليمية، أكد الهجري أن علاقة الإصلاح بالمملكة العربية السعودية استراتيجية وخاصة، تقوم على أسس الجوار والمصالح المشتركة والأمن القومي المتبادل، مثمنًا دور الرياض في دعم الشرعية ومساندة مؤسسات الدولة، بما في ذلك دعم ملف المرتبات. وأوضح أن علاقة الحزب بالمملكة طيبة ومستمرة عبر مؤسسات الدولة، انطلاقًا من قناعة بأن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة.
وتطرق إلى العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤكدًا أن الإصلاح لا يحمل موقفًا سلبيًا تجاه أبوظبي ويقدّر دورها ضمن التحالف العربي، مع إقراره بوجود تباين في المواقف، مرجعًا ذلك إلى حساسية تتعلق بملف «الإسلام السياسي»، ومشددًا في الوقت نفسه على أن الإصلاح حزب يمني مدني الجذور، لا يرتبط بأي تنظيمات خارجية، وأن يده لا تزال ممدودة للحوار وبناء علاقات متوازنة تخدم مصلحة اليمن.
ونفى الهجري أي ارتباط تنظيمي للإصلاح بما يُعرف بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، معتبرًا أن هذه التهمة تُستخدم أحيانًا لتصفية الحسابات السياسية، مؤكدًا أن الحزب جزء من منظومة الدولة ولا يمتلك تشكيلات مسلحة خاصة به، وأن أفراده منخرطون في الجيش والمقاومة الوطنية.
وفي ختام الجلسة، شدد الهجري على أن جماعة الحوثي مسؤولة عن انتهاكات جسيمة طالت مختلف فئات المجتمع اليمني، بما في ذلك الأقليات الدينية والنساء والمخفيون قسرًا، داعيًا المجتمع الدولي إلى الانتقال من الاكتفاء بالبيانات إلى دعم عملي ومنهجي لعملية السلام، يشمل إشراك القوى السياسية الفاعلة، وبناء قدراتها المؤسسية، ودعم مسارات العدالة الانتقالية، وتوسيع مشاركة المرأة والشباب، باعتبار ذلك مدخلًا أساسيًا لأي تسوية مستدامة.
غرفة الأخبار / عدن الغد