آخر تحديث :الخميس-25 ديسمبر 2025-08:28م
أدب وثقافة

شقة رقم خمسة (قصة قصيرة)

الخميس - 25 ديسمبر 2025 - 06:48 م بتوقيت عدن
شقة رقم خمسة (قصة قصيرة)
بقلم / ماريا الحسني

في ضواحي كريتر الصاخبة يعيش رجل في الطابق الرابع في الشقة رقم خمسة، ويصارع عمر الخمسين مع زوجته القابعة في عمق الذاكرة.



كان لا يزال مستأجرًا جديدًا ولم تسنح له الفرصة بعدُ في التعرف على الجيران، أو على الأقل من جاره الذي يسكن أمام شقته.


لم يكن مهتمًا تمامًا كعدم اهتمامه في الحاضر، لقد جعل حاجته في العزلة واضحة جدًّا بالطريقة التي تجاهل فيها نظرات جاره التي لا تكف عن اللحاق به كما لو أنه مراقب.


وفي أحد الأيام كان الوقت شفقاً قبيل الشروق، وقد ذهب ليشعل سيجارة في سطح البناية وينفث دوائر الدخان بسخط معنّفًا ماضيه، حتى طأطأ الصخب رأسه وحفر صوت الغراب ذاكرته، لكن لم يستطع الصمت دفن ذنبه القديم.


وبإيماءة متبرمة من قدمه التي قالت بوضوح أكثر مما تستطيع أن تقوم به الكلمات وهي تسحق ما تبقى من السيجارة، إنه لا يأمن أحدًا حتى نفسه.


عاد إلى شقته ليرى زوجته في مشهدٍ جنوني تسبح في دمائها وحيدة .


كانت الأفكار في تلك اللحظة عنيفة جدًّا، تركض خلفه غاضبة وتكاد تقضي عليه كما لو أنه في مسلسل "التاج من إخراج غاي ريتشي"، ولسببٍ يجهله كان يشعر بأن المشهد مكرر وأن عليه لعب دوره بإخفاء عينيه المذنبتين اللتين بلا قرار، ومسح ملامحه المفزوعة كي لا يراها أحد.


كانت تتعلق بكتفه مستنجدة قبل أن ينزع السكين عن صدرها، ضمّها ضمّةً أخيرةً وهي تتنفس كقطة مذعورة، ولما تناءت روحها كانت دماؤها قد تغلغلت داخل قميصه الأبيض، وحين نزع عن صدرها السكين وغلّفها بتلك السجادة المركونة، كان الذنب مشغولًا بخياطة ثوبٍ يصعب خلعه.


وفي قلب المأساة غسلت الأرضية نفسها، وعلى وجه الدقة كان لا حاجة إلى الشرح أو التبرير. عاد البيت خاويًا من أي ملامح وغطت المشاعر في عينه الباطنية.


كان جاره لا يكفُّ عن دراسته كما لو أنه إمبراطور روماني ينظر إلى عبده في المزاد، وذات مرة رفع يده في تحية سريعة بعد عشرات من المرات التي تجاهل فيها جاره، لكن لم يكن وحده من رد على التحية، فقد فاحت رائحة الجثة ونشدت بصوتٍ عالٍ، حاول إسكاتها بإشعال الكثير من أقراص البخور، وكان مثل حارس ليلي ينتقل بين الغرف بمشهدٍ غريب ويعطرها.



كانت الغربان الجائعة قد أخذت حصتها في المراقبة وكان يتضاعف عددها كل يوم حتى لفت الأمر سكان الحارة، وأخيرًا تجرأ أحدُهم بالنظر إلى أحد الغربان فنقرت إحدى عينيه بتلذذ.


وفي أحد الصباحات كانت الريح الحارة تلفح شوارع كريتر، وتوقفت ساعة الحائط وسط الذعر العام دون إذن. ولم تكن نهايته أقل ضراوة؛ حيث تجمعت سيارات الشرطة أمام مبنى شقته، وقد كان واقفًا على النافذة، والنيران من خلفه، وفمه محشوًا بالرصاص.