خريطة التحالف العسكري الدولي ضد داعش كما تم تبيانها من قبل الجانب الاميركي لا تحمل تغييرا في التحالفات القائمة منذ زمن ، فسوريا وايران وحزب الله خارج هذا التحالف وكذلك روسيا، وهي اطراف ظل يستهدفها اطراف من التحالف الغربي العربي الذي تاسس الآن لمواجهة داعش، عبر الوكلاء اي المنظمات الارهابية وشبيهاتها، وعبر اسرائيل، منذ منتصف العقد الاول من هذا القرن على اقل تقدير.
تركيا التي نأت بنفسها عن التحالف الذي يتشكل ضد داعش بحجة الخوف على مخطوفيها في الموصل، ويبدو لي ان الحقيقة هي ان لها اجندة اخرى تتعلق بالإخوان المسلمين، وهي على الارجح، ترهن مشاركتها في الحلف المواجه لداعش، بموقف الحلف من الاخوان المسلمين واعتبارهم جزءا منه بدلا من ان يكونوا هدفا له، وهو امر من الصعوبة بمكان بالنظر الى المواقف المتصلبة لأطراف عربية مركزية عديدة تجاه الاخوان المسلمين.
ان حربا كونية كهذه ضد داعش لا يمكنها استثناء المسرح الافريقي، والرئيس المصري اشترط في لقائه مع كيري ان مكافحة الارهاب يجب الا تكون انتقائية وان تشمل المنظمات الارهابية اينما كانت. ويبدو لي انه بالنسبة الى مصر فان ليبيا ستشكل بسبب ثرواتها ومخزون السلاح المبعثر اولوية، وهناك يمكن لمصر والجزائر القيام بتحمل العبء نظرا للقرب الجغرافي ووضوح المخاطر والمكاسب، مع امكانية المشاركة في المسرح الآسيوي، بالنسبة لمصر على الاقل، اذا تطلبت ذلك التطورات، ضمن تعهد "مسافة السكة" شريطة مشاركة سورية في الحلف.
المسرح اليمني، المهم غاية الاهمية، تكفلت به الحكومة اليمنية، ولكن التمدد الحوثي الطائفي السلالي الشيعي، اصبح يلعب دور العامل الحفاز "الكاتاليست" بالنسبة للقاعدة ويوسع حواضنها الشعبية في المناطق السنية، ولا يمكن ان تقبل ايران وحلفاؤها بتحجيمه اذا ما دعوا الى المشاركة في الحلف في الوقت الحاضر، ولربما سيتم ذلك، ان حدث، بعد الانتهاء من مشكلة الحوثي اولا، والذي ربما يتم عبر مقايضة التنظيمات المسلحة (المعتدلة) في سوريا بالحوثيين، وهي الجماعات التي اعتبرها اوباما في حديث له منذ اشهر بانها مجرد خيال (فانتازي). ومثل هذه المقايضة ستوافق عليها الرياض وان على مضض بسبب اولوية مسألة الحوثيين لديها.
التحالف الغربي العربي طبقا لخطاب الرئيس اوباما الاخير، الذي لخص فيه استراتيجية بلاده ضد داعش، سيضم الجيش الحر والمنظمات الشبيهة به في سوريا، ويستبعد النظام السوري على الرغم من اعلانه عن رغبته في الانضمام الى الحلف، وقد ظهرت معالم تحالف ميداني واضح في القنيطرة بل وفي داخل شمال الجولان المحتل بين الجيش الحر وجبهة النصرة والمنظمات الاخرى الناشطة في المنطقة من جهة، وبين اسرائيل من جهة اخرى.
ولذلك فان هذا التحالف الموجه ضد داعش اذا تشكل حسب المنظور الامريكي يحمل في طياته امكانية قيام تحالف امر واقع مضاد، سوري داعشي، يضم اليه على الاقل حزب الله وايران، بهدف تشتيت القوى المناوئة لهما وتوجيهها وجهة اخرى مع وضد، وهذه الوجهة هي بطبيعة الحال اسرائيل. فسوريا تخشى امكانية قيام الحلف الجديد بفرض حظر جوي فوق جزء من ارضها تزدهر فيها الجماعات المسلحة الحليفة له، لتصبح تهديدا للنظام اخطر مما كانت عليه في اي وقت مضى، اضافة الى امكانية قيام الحلف بضرب وتحجيم الدفاع الجوي السوري لتأمين طائرات الحلف من اي تصرف مضاد، وهو ما من شأنه جعل النظام مكشوفا بالكامل امام اسرائيل، ومن ثم عاجزا عن مد حليفه الشيعي في لبنان. اما حزب الله فانه، اضافة الى ذلك، مستهدف من كل الجماعات المناهضة للنظام السوري هو لا يريد ان يراها تكبر لتصبح محمية واكثر قوة وخطورة عليه وعلى حليفه السوري.
دفع مثل هذه المخاطر قد تتطلب حربا بين سوريا وحزب الله وداعش من جهة، وبين اسرائيل من جهة اخرى، هدفها بالنسبة لداعش شل الحلف، وبالنسبة لسوريا وحزب الله استباق اي ضربات قد يوجهها الحلف ضد سوريا اثناء ضربه لداعش، وقد يكون حزب الله راس الحربة ضد اسرائيل، ثم لتتطور الاوضاع اما الى حرب شاملة، او الى حرب محدودة تؤدي في كلا الحالتين الى انهيار الحلف مع تزايد احتمالات تطور الاحداث الى حرب اقليمية شاملة. وقد يكون من شأن مجرد اتضاح مثل هذه الاحتمالات، وجدية الطرف المقابل بشأنها، ان يؤدي الى انهيار الحلف بانسحاب الجانب العربي منه لحسابات تتعلق بالسلامة وبالراي العام الداخلي، ومن ثم اقتصار الحلف على الجانب اليورو اميركي "الاطلسي"، الذي عليه عندئذ وضع حساب لموقف روسي صيني مناوئ له بنشاط، ان لم يضم اليه سوريا والعراق، باعتبارهما الطرفين المعنيين مباشرة.
مع هذه الاحتمالات الخطيرة المذكورة والمتعلقة باستراتيجية الحلف الحالية فان المخرج الاسلم سيكون ضم النظام السوري الى التحالف، وهو ما يبدو لي الا مناص منه، سواء بخلق عملية سياسية بين الجيش الحر والنظام تستبعد منها جبهة النصرة والمنظمات القاعدية الهوى، او بالتضحية بها كلها وتركها لمصيرها، ولكن بعد الانتهاء من العامل الحوثي اليمني اولا كما اسلفت.