"كل المسئولين سرق".. لعلها الجملة الأكثر تداولا على اللسنة اليمنيين ، لعشرات السنين الممهورة بممارسات السلطة الممنهجة غباءً وفسادا ، وسياسات الإقصاء والطرد المركزي المتعمد لكل نزاهة وكفاءة واستقلالية.. كيف لا و(حمران) العيون كانوا دائماً هناك ، على رأس الهرم المقلوب، لا يسمحون بصعود أحد إليهم ، لاكتساب لقب التجربة وخبرة المنصب الرفيع ، إلا لمن كان يتمتع بصفاتهم ، أي بعض الحمرنة !
بعيداً عن مؤثرات التجاذب السياسي ، ومنطلقات الصراع وتقاليد الموقف الانتهازي ، والتي هي لاشك حاضرة بقوة خلف تأخير تسمية رئيس وزراء المرحلة.. يفتش الجميع والجموع ، بصعوبة بالغة ، في خبايا الذاكرة وقوائم الشخصيات (الوطنية) المُعرفة للذهنية العامة ، عن هذا الرجل الغامض ، الكفء والنزيه والمستقل ، لتولي هذا المنصب الأكثر غموضاً ، ولأن الوعي لا يدرك إلا ما يعرف ، فلسان حال الحال يقول: من تحيرف ذكر دين أبوه !
لقد افسد الأوغاد ثقة الشعب بكل القيم والمسميات والممكنات ، حتى مؤشرات الكفاءة المعرفية ، ومعية الشهادات العليا جدا، فكثير ممن يحملون لقب (دكتور) وتقلدوا مناصب رفيعة ، تحولوا أو حُولوا ، إلى نماذج إخفاق وخذلان مريع ، وكأنهم خلعوا معارفهم وأكاديميتهم وبعض آدميتهم ، هناك على منصة القسم الجمهوري كإحدى مراسيم تولي المنصب اللعين ، وأصبح ظاهرا ألا فرق بينهم وبين أقرانهم (الشيخ القبلي والفندم الشرفي...) إلا بحرف الدال تسبق فراغ أسمائهم ، وغباء مواكبهم المدرعة رخيصا بالقبح..!
لو أنك اليوم سألت المواطن اليمني البسيط ، والمثقف ، عن الجهة الأكثر فسادا في الدولة ، لقال: هيئة مكافحة الفساد ! وإن أنت سألته عن مرشحه النزيه والمستقل ، صاحب الدراية والخبرة ، كحزمة شرطية مجتمعة ، لتولي رئاسة الوزراء ، لحصلت على إحدى الإجابات الثلاث التالية:
- لا اعرف شخصا بهذا الاسم.. ربما عاقل الحارة.
- لا يوجد.. وإن كان موجودا ، فهو حتما ، كأي شريف ، مصاب بالجلطة والذبحة والسكري ، والإعاقة سببا مانعا للمنصب. فتش في السجون ومستشفيات المجانين.. يستدرك بمكر !
- الحمدي ، أو أنا.. يقولها مبتسما بسخرية يائسة تجاه حذق سؤالك الأبله.
ومع هذا وذاك .. ها نحن اليوم نرى بصيص ضوء لم يكن ، فمجرد الحضور الشعبي الضاغط - الغير مسبوق ، نسبيا ، على مركز القرار المتصدع بذاته ، خلال تجربة البحث المتوافق ، ربما ، عن (الرجل) المناسب ، بعد توصيفه نظرياً، لإيجاد إبرة النزاهة الوطنية في كوم قش الفساد السياسي - خطوة أولى ولازمة لاكتشاف ونفض الغبار عن (رجال) الدولة ، لا الدين والقبيلة والحزب وأنا.. الدولة التي نحلم بها كلما استيقظنا بلا جدوى..!