من خلف ظلي جاءني ذلك الصوت المتحسر وهو يقول "ياليتني كنت معهم فأرتاح!" سمعت هذا الصوت لشاب كمن ودعناهم أمس فوافقه عقلي الذي لطالما اعتاد على ترديد ذلك كثيراً بعد كل عملية إرهابية غادرة تقتطف زهرة شبابنا لتسلبنا بسمة حياتنا وتقبض على قلوبنا بمخالبها الحادة وتجعلنا نتمنى الموت الذي ربما سيريحنا من هذا العذاب وهذا الألم العميق بفقدان أعز أحبابنا!
نعم ليتني كنتُ معهم ، أنام بهدوء تحت تراب هذا الوطن الغالي فلا حزن ولا دموع ولا آلام.. التحف حبات الرمل الطاهرة التي عاهدت نفسي على فدائها ورويها بدمي ، وأرتاح من عذاب الضمير الذي يؤنبني كثيراً ويخنقني لعجزي عن القيام بأي شيء قد يخفف من جور وظلم دهري!
ليتني كنت معهم ولا أرى دموع أمي الغالية تبكي شهيدها، ولا أسمع أنينها الذي يفطر الصخور الصماء ويميتني آلاف المرات.. فتلك العضلة الصغيرة في يسار صدري قد أرهقها الألم، قتلها الحزن، ودفنها الظلم وهي تنبض على قيد الموت!
ليتني كنت معهم لأعيش في عالم آخر ربما يكون منيراً كما أتخليه وأنا أهرب من سواد هذا العالم، عالم لا وجود فيه للظلم والإرهاب، عالم يناسب بياض قلبي ونقاء روحي فلا هم ولا دموع ولا أحزان، عالم أعيش فيه بسلام بعيداً عن صدى المفخخات والألغام، عالم فيه العدل يسود والمحبة والتسامح والوئام.
فياليتني كنت معكم أشاطركم فرحة استشهادكم ، وفرحة وداع هذا العالم القاسي فلا الحياة أنصفتكم ولا تركتكم تعيشون كيفما تستطيعون بل خطفت أرواحكم وتركتنا بعدكم تائهون ، نلاحق طيفكم كلما زارنا لنصطدم بالواقع المرير الذي أُجبرنا على عيشه ونتنهد تنهيدة عميييقة ونقول الحمد لله على كل حال.