آخر تحديث :الأربعاء-02 يوليو 2025-08:56ص

بلا رؤيـة !

الجمعة - 27 يناير 2017 - الساعة 10:05 ص
سام الغباري

بقلم: سام الغباري
- ارشيف الكاتب


 - سـام الغُــباري

- قديمًا .. كان المفهوم الشائع لدى اليمنيين في علاقتهم بالمملكة العربية السعودية والخليج عمومًا مفخخ بالعدوانية التلقائية ، كنت أشعر بذلك ، وقد أخذتني رجفة عابرة من ذلك الوعي ، ووراء الأكمة كانت العدوانية تتصاعد بسبب مواقف سياسية اخترعها رأس النظام السابق ، وعزّزها شعبيًا في خضم أحداث حرب الخليج الأولى بتسعينيات القرن الماضي .
 - ذات يوم استضافت "جامعة ذمار" اليمنية ، سفير دولة الكويت الأسبق في صنعاء "سالم غصّاب الزمانان" ، كان إسمه الغريب مثار جدل داخلي ! ، وقد وقعت نسخة من محاضرته القيّمة في يدي ، أدهشتني أرقام الدعم الإنمائي المقدم لليمن خلال فترة الوئام العربي ، وقد بلغ مرحلة نادرة بإفتتاح مركز متخصص لإختيار أفضل المعلمين المصريين لطلاب مراحل التعليم الأساسي والثانوي وفق أعلى معايير الكفاءة ، وعلى نفقة دولة الكويت الشقيقة ، في تلك المرحلة التي تلت صعود "صالح" إلى الحكم في سبعينيات القرن الماضي، كانت دول الخليج بابًا مفتوحًا للمواطن اليمني دونًا عن بقية الشعوب العربية الأخرى ، يسافر إليها ، ويعمل فيها ، ويُعامل بترحاب أنيق .. غير أن المواقف السياسية الحمقاء لنظام "صالح" مع العدوان العراقي على الكويت الشقيقة دفعت الصدمة الخليجية إلى ذروتها ، بما جعل الوئام صعبًا ، والجرح غائرٌ لا ينتسى !، في ذلك الزمن الميت ، غادرت مصالح اليمنيين مع جيرانه التاريخيين ، أُغلقت الأبواب المفتوحة ، وسرت رعشة الجوع في أوصال اليمني العنيد دون أن يشير بإصبعه إلى رئيسه الذي لم يكن مباليًا بما حدث ! .
 - أشياءٌ كثيرة لا حصر لها ، خسرها اليمنيون في لحظة تاريخية نشطة مع كل دول العالم ، كانت الخسارة مجانية مع ديكتاتوريات مهووسة مثل العراق وليبيا والاتحاد السوفييتي والقومية العربية ، ومثلها اليوم إيران التي تشيع النزاعات الدامية داخل العرقيات الوطنية .
- فقدت اليمن رؤيتها المحلية مع انفتاحها المفاجئ على دول العالم عقب قيام ثورة ٢٦٦ سبتمبر ١٩٦٢م التي قضت على آخر انظمة التخلف والكهنوت في الشرق الأوسط ، ومن تعاسة الحظ اعتنقت قيادات الصف الأول "المراهقة" عددًا من الأفكار والنظريات اليسارية المتطرفة ، فجلبت الحروب والنزاعات الى داخل العمق اليمني .. في الجنوب مثلًا دمّرت التيارات القومية والاشتراكية والماوية كل فرصة لتنمية بلدها ، وخاضت نزاعات مجنونة في داخلها نيابة عن صراعات قطبي العالم الرأسمالي والشيوعي ، وقد نزف الدم اليمني بشدّة من أجل ذلك ! ، وفي الشمال تعددت الرؤوس البعثية والناصرية والإخوانية والقومية والاشتراكية والإمامية ، خليطٌ مهووس من الحمقى الموتورين الذين ناصبوا جيرانهم وجغرافيتهم وتاريخهم العداء دون مبرر ، وقد كانت اليمن أحق بذلك الحماس ، تنمويًا وتعليميًا واقتصاديًا وأمنيًا ، وهذا أدعى إلى تسجيل أغلب قيادات اليمن السابقين في قائمة سوداء ، تدعو عليهم في خُطبّ الجمعة حتى يصلهم الجحيم واللعنات إلى قبورهم .
 - تلك السنون الغابرة ، انتجت هذه الصراعات التي نعيشها اليوم ، زراعة الفراغ حصدت الريح ، عصابات الحُكم السابقة وكهنوت التخلف الديني اورثت جيلًا عدوانيًا على نفسه وجيرانه ، غياب الرؤية الوطنية والنجوم المحليين الذين يستحق أن نهتدي بهم ونقتدي ، أضاع بلدًا بأكمله في لُجة الإعصار المُدمّر القادم من وراء البحار .
 - نحن ندفع اليوم من دمنا ومستقبلنا ما كان يجب أن نوظفه بإتجاه السلام الآمن ، والتنمية الراشدة ، نخسر في كل يوم من الحرب ما يوازيها من الكراهية التي ستظل عالقة في النسيج الإجتماعي لسنوات ، هكذا أراد لنا الحوثيون ، خسارة تتلوها خسائر ، وما تعلمنا من تاريخنا ، ولا استفدنا من فشل المراهقين السابقين ، حتى عُدنا بمراهقين جُدد يصدحون في آذاننا بما يجعلنا أسارى في قبضة الصراع القادم الذي تُطل قرونه المخيفة من أدغال النفوس والمدن .
 - أنا مرهق وحزين .. متى تعود بلادي إلى صوابها ، وتمد يدها بيضاء من غير سوء إلى محيطها الإقليمي ، وتخرج من نفق حروب عبثية تأكل وعينا وتعيدنا إلى اللحظة التي بدأ منها آباءنا وأجدادنا ، نحن ننحدر نحو الأسفل ، نخرج من التاريخ والإنسانية بأيدينا ، يكسونا فراء الذئب في أحراش من وحوش ورصاص ، وجبال من عدوانية متصاعدة .

* كاتب وصحافي يمني