نردد دوماً "لا يستقيم الظل والعود أعوج" ولكننا نغفل عمن هو الظل ومن هو العود، أي بمعنى آخر من الأصل ومن الفرع ، سيقول أغلبنا: الحكام هم العود ونحن الشعوب الظلال، أليس الناس على دين ملوكهم؟ وهي قاعدة تناقض قواعد الشريعة لمن يدعي التمسك بها، ولا يسندها أي بحث علمي لمن يحرص على العلم التجريبي ويدعو له...،ثم قد يتساءل الكيس الفطن منا وهل كل قائد دولة او مؤسسة أو كيان ناجح يكون شعبه أو اتباعه !!!ناجحون ؟
طالما وأن له صلاحيات كافية فسيكون النجاح حتمي لا نزاع فيه ، فضلاً عن مساندة اتباعه له في الشدة والرخاء ، فاليد الواحدة لا تصفق ، وبالمناسبة ما حصل الأسبوع الفائت كان يعد نموذجاُ مثالياَ في حق الشعب الأمريكي ، والذي صدر من قبل اللجنة القضائية بمجلس النواب بحق الرئيس ترمب ، بتهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس في إطار محاولة عزله كانت خطوة ناجحة فقد ايضا ً عكست مدى الوعي الذي يتميز به الشعب الأمريكي أمام شعوب العالم ، فإذا كان الشعب ليس له أي صلاحية فلا قيمة للدولة مهما كانت ومهما بلغت من تقدم ورقي ، وبما أن نجاح الدول مرهون بنحاح الشعوب ، فلا خير في أمة لا تهتم بشعبها علمياً وثقافياً واخلاقياً ...الخ ، فأزمة العالم اليوم هي أزمة إدارة ، ولننظر الى الدول العربية كمثال ففيها من الثروات مالله به عليم ، ولكن للاسف تصنيفنا ليس كما نحن فيه نتيجة سوء الإدارة الممثلة بالرئيس وحاشيته "الحكومة " ومن زعم أن أزماتنا هي أزمات ثروة طبيعة ، فهو لا يعي قدرة الله ونعمة على الكون ، ولنا اشراقات نابعة من ادارة حكيمة كاليابان وسنغافوره وماليزيا وغيرها ، والتي كانت تعد دول متخلفة بينما اليوم يصنفن من الدول المتقدمة بإدارتهن الرشيدة وبقيادتهن الحكيمة ، والتي تعي معنى المسؤولية أمام شعوبها ، فربنا خاطب البشرية مؤمنهم وكافرهم بقوله فاعتبروا يا أولي الأبصار ، فليس من البداهة والحكمة أن نكرر الخطأ في الإطار ذاته ، طالما ونحن نؤمن بأن الإخلاص والعمل الدؤوب تحت ادارة متفوقة سبب رئيسي للنجاح كما حصل للدول سالفة الذكر.
فأخطاء الماضي في هذا المنوال تتكرر من جديد سواء في اختيار الكفؤ أو الاختيار القائم على مبدأ الواسطة والمحسوبية في البلدان العربية وغيرها ، ومازلنا حتى اليوم كالعادة التي كنا فيها سابقاً ، فقانون العادات يقول “إن ما نكرره باستمرار يتراكم يـومـا بعـد يـوم حتى يتحول إلى عـادة دائمة”، وقانون لكل فعل رد فعل الذي يقول “عندما تُكـرر نفس السبب سوف تحصل بالتأكيد على نفـس النتيجة، أي أن النتيجة لا يمكن أن تتغير إلا إذا تغير السبب ، فنحن بحاجة الى قيادة ادراية وفكر لحل الأزمات الراهنة بتغيير رموز الحكم اليوم ، وعدم التركيز على قضية أو أزمة وترك فجوات لا تنسد بتاتاً ، حتى ينطبق فينا المثل الشعبي " يا ملاحق جرادة يا تارك عشر ، وحتى نتعظ من غيرنا فلنا بمحافظ احدى مدن الهند عبرة وعظه كما حُكي عنه في الماضي
(بان الإستعمار الإنجليزي للهند لائحة لأحد المحافظين" فكرة للتخلص من ثعابين الكوبرا القاتله التي إمتلات بها الشوارع والبيوت في المحافظة" فأعلن مكافاءات مالية كبيره لكل من يقتل كوبرا ويأتي بها للمحافظه؛ سلم كوبرا ميته ثم تستلم كاش!.
نحو شهور تزاحم الناس بالمئات إلی المحافظة يحملون الكوبرات الميتة ويتلقون المكافاءات المالية ، لكن في الشهر الرابع، عكس التوقعات بإنخفاض معدل القادمين بالكوبرات الميته، ازدادت اعدادهم أضعاف أضعاف الشهور الأولی ، فذهب المحافظ في جولة تفقدية لمعرفة السبب ..!
أصيب المحافظ بالصدمة عندما علم أن الهنود قاموا بإنشاء مزارع لتربية الكوبرات وبيعها بالعشرات للراغبين في قتلها وحملها للمحافظة!
الكارثة أنه بعد أن تعرَف المحافظ على أسباب زيادة الثعابين ، قام بإلغاء مشروع دفع المال مقابل الكوبرا المقتولة ، وبذلك القرار اضطر أصحاب مزارع تربية الكوبرا لإطلاق سراح الثعابين لأنها لم تعد ذات فائدة فامتلأت الشوارع وتدفقت بالثعابين السامة المميتة وهرب أغلب سكان المحافظة للنجاة بأرواحهم!
منذ ذلك التاريخ أطلق الخبراء على أي مشروع طائش غير مدروس يأتي بنتائج أسوأ من السابق، بقانون "تأثير الكوبرا).
وبما أن العدل والادراة الرشيدة في زمن الصحابة الكرام ومن تلاهم كخامس الخلفاء الراشدين عمربن عبدالعزيز هو ذاك العدل والادارة التي ننشده حالياً ، فلماذا لا نعمل ولنجيد اختيار القادة الذي نلمس من رشدهم خيراً ، فما اصدق قول الراحل مصطفى أمين رائد الصحافة العربية " إن الحياة لا تتوقف أبداً .. إنما تتجدد دائماً , كل شيء فيها يتغير ويتبدل البشر يولدون ويموتون ..الأبنية تشيد وتنهار .. الزهور تتفتح وتتبدل الدول تقوم وتسقط .. كل شيء يتغير .. كل شيء يتبدل إلا معاني بعض الكلمات .. الحرية تبقى دائماً حرية , الطغيان يبقى دائماً طغيان, العدل يبقى دائماً عدلاً , الظلم يبقى دائما ظلماً. ويجيء العادلون والطغاة ويذهبون , ويظهر أنصار الحرية وأعوان الاستبداد ويختفون , وتشرق شمس الديمقراطية وتغيب , ويجثم ظلام حكم الفرد ثم يطل نهار حكم الأمة, ويعلق الأحرار في المشانق ويجلس الظالمون في مقاعد السلطان كل شيء يتغير , يولد ويموت , يكبر ثم يتضاءل . ولكن الشعب دائماً لا يموت..
فلا استقامة للظل والعود أعوج مادام وأننا نؤمن بأن التغيير والتنوع سنة ثابته في هذا الكون ، وأن نجاح الدول مرهون بنجاح الشعوب...