آخر تحديث :الإثنين-08 ديسمبر 2025-12:30ص

جنون الاراضي ..وتهمة الارهاب

السبت - 28 ديسمبر 2019 - الساعة 02:22 ص
خالد باعزب

بقلم: خالد باعزب
- ارشيف الكاتب


خالد باعزب 

 

قبل بضعة أيام نشر خبر عن مداهمة وكر للعناصر الارهابية في حي اللسان بمديرية كريتر ويؤكد الخبر اكتشاف مصنع للعبوات الناسفة حسب البيان الرسمي المنسوب لقوات الدعم والاسناد, لنكتشف بعدها أن ما حدث كان مسرحية هزلية كما وصفته الصحف و الحقيقية أنها كانت مداهمة لورشة صناعة الابواب والشبابيك أضافة لاقتحام منازل المواطنين بقصد مصادرة أراضيهم فقط لا غير!, و لسوء حظ المداهمون كانت كاميرات المراقبة لهم هذه المرة بالمرصاد , وقد وثقت التفاصيل في تسجيل فديو تناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي في فضيحة موثقة أمام الملأ .

 

في ذات الوقت الشرطة تؤكد براءة التهمة الموجهة نحو المتهمين, وقد أسر في العملية سبعة مواطنين على ذمة التحقيق , وبعد ما ذاع الخبر بين الناس واصبح حديث الشارع أفرج عن اربعة منهم لتلطيف الأجواء , وبقي ثلاثة قيد التحقيق بلا ذنب يذكر , واتضح فيما بعد أنها محاولة للبسط على الاراضي من قبل نافذين وتم استغلال للسلطة والقوة لغرض شخصي من قبل نافذين وهو البسط على الاراضي, أضافة لتلفيقهم تهمة الارهاب الجاهزة مسبقا لمن يعترض ويقف في طريقهم!.

 

جريمة نكراء مثل هذه ينبغي أن لا تمر مرور الكرام والمؤسف في الامر أن من قام بها مسمى تحت يافطة قوات الدعم والاسناد والتي من المفترض أن تحمي المواطنين بدلا من البسط على أراضيهم , وتلفيقهم تهمة الارهاب , وكأننا في غابة هكذا يأكل فينا القوي الضعيف بلا حسب حسيب ولا رقيب , ومما شك فيه أن جنون الأراضي لبعض القيادات واستغلالهم السلطة في تعميدها يزيد من سخط المواطنين وتحطيم هيبة الدولة في قلوب السكان , فعلى المعنيين بهذا الأمر مراجعة أنفسهم قبل فوران التنور وهيجان الشارع لأن ما حدث غير مقبول عرفا وشرعا .

 

جنون الأراضي هذا يذكرنا بقصة باهوم والتي سنسردها بإيجاز ,وهي تصنف ضمن روائع الادب العالمي للأديب الروسي تولستوي حيث كان فلاح يدعى باهوم يعيش في فقر مدقع وتعاسة متلاحقة وذات مرة قال في نفسه : آه .. لو كنت املك قطعة أرض لكنت هنيء البال قرير العين لا أخاف حتى من رئيس الأبالسة! , فسمعه ابليس والذي كان على مقربه منه , وعزم ان ينيله بغيته وما هي الا أيام حتى عرضت امرأة أرضها الواسعة للبيع , وقطعتها للفقراء قطعا صغيرة , فباع باهوم ما عنده من خلايا النحل , وأجر ولديه يعملان لمدة سنة كاملةعند أحدهم و تقاضى الثمن مقدما , وباع مهرة يمتلكها, واستدان الباقي ثم ذهب يكاتب المرأة , فدفع لها النصف على أن يدفع الباقي بعد عام وكان له ما أراد ,فحصد المحاصيل الوفيرة وتخلص من ديونه في فترة وجيزة غير متوقعة .

 

 بدأ باهوم يتذمر من الفقراء ومواشيهم التي تعبر أرضه , ويشتكي من مضايقاتهم حتى جاءه ضيف , واسدى له نصيحة ببيعها وشراء أرض أخرى في قريه ليست بعيدة منها أهلها حسناء المعشر وكرماء الضيافة , فباع أرضه واشترى أرضا حجمها ضعف التي امتلكها وحصد المحاصيل الوفيرة ثم ضاقت الارض في عينيه مجددا , وبات يطمح في غيرها و أكبر منها مساحة , حتى جاءه زائر آخر ونصحه بالهجرة لقرية بعيدة فيها أراضي فسيحة وتربه خصبة كما أن أهلها سذج , ولا يعملون في الفلاحة , ولمجرد اغراقهم بالهدايا لا يردون لأحد طلبا و يبعون أراضيهم مقابل الف روبل فقط و من يحدد حجمها هو المشتري نفسه , وذلك بشرط أن يسير بقدميه فيها من شروق الشمس حتى عودته قبل المغيب واذا لم يعد قبل الغروب يأخذوا الالف روبل لهم , فقام باهوم بشراء الهدايا وانتقاها بعنايها فائقة , وشد رحاله للقرية ,فأغرق كبرائها وسادتها بالهدايا , والتحف الثمينة ثم سألوه عن حاجته , فاخبرهم عن نيته بالاستثمار في أراضيهم فابلغوه بشروط البيع عندهم .

 

قبل بزوغ الشمس انطلق كبراء وسادة القرية مع باهوم الى تل صغير يشرف على سهل فسيح الارجاء لتحديد مساحة الارض التي سيشتريها وقام بإعطائهم الف روبل , فطلبوا منه أن يضع كومة تراب كإشارة تحدد الطول والعرض أثناء مسيره, وشمر ساعديه وبدأ بوضع قبعته كنقطة للانطلاق من ثم انطلق مضي ..ميل.. ميلان.. حسبما قدر حتى كاد لا يرى التل وكان كلما تقدم كلما ازادت الارض خصوبة , ووفرة وباتت الشمس في كبد السماء , وفزع باهوم من هذا حيث أنه لم يحدد بعد عرض مساحة الارضية !,فتناول غداءه من ثم تخلى عن حقيبته ليخفف عن نفسه عبئ حملها ,وذهب باتجاه أخر لتحديد العرض .

 

 وبعد تحديده للعرض رأى أرض أخرى تصلح لزراعته الكتان, وقال في نفسه كيف لي أن افوت أرض كهذه ! فذهب ليحددها ثم قرر العودة أخيرا للتل لعله يصل في الوقت المناسب , وبدأ يهرول كي يصل في وقته حتى نال منه التعب وتلطخت قدماه بالدماء بفعل اصطدامها بالأحجار, والاشواك ثم آثر المشي مسرعا حتى خذلته قدماه مجددا و التي حرمها من الراحة منذ الفجر حتى اشرفت الشمس على المغيب , وهو على مسافة ليست بعيدة من التل بعد تداعي قواه وانهيارها فسمع اصواتهم وهم ينادونه هيا هيا..أسرع أسرع .. ففرح بسماع أصواتهم و وظل يمشي الهوينا نحو التل كالشيخ الضعيف ثم يحبو كالطفل الرضيع حتى بات الظلام حالك لكنه لازال يسمع اصواتهم تقرب منه أكثر فأكثر , فأدرك أنهم فوق التل المرتفع , والشمس لم تغب في ناظرهم ,فاستجمع قواه وتسلق التل حتى وصل أمامهم و رأوه وقال رئيس القرية : انه لرجل محظوظ حقا .. لكن باهوم صرخ صرخة مفزعة ثم ارتمى أمامهم جثه هامدة في حضن خادمه الذي تلقاه , فرأى الدم يتدفق من فمه , وحفر له قبرا يسع ستة اقدام وكان هذا نصيبه من الأرض!.