عبده النقيب
بعد سجال شهدته صفحات التواصل الاجتماعي المرتبطة بالمتابعين والمهتمين حول ما يجري على الساحتين السياسية والعسكرية في بلاد الجنوب العربي واعمال التفجيرات المتوالية في مدينة الضالع -الموبوءة- في الثلث الأخير من شهر ديسمبر 2019م. تلك الاعتداءات التي استهدفت المنظمات الانسانية المهتمة بتقديم الإغاثة والمعونات الغذائية للمطحونين برحى الحرب الدائرة مذ خمس سنوات تقريبا وكذا لظهور احداث جسام وتحولات هامة قد تعيد صياغة المشهد اليمني برمته.
لقد خضنا في سجالنا مع العديد من المجاهدين السلفين في الضالع وخارجها الذين لم يترددوا في الدفاع عن حوادث التفجيرات والتشريع والتبرير لها وعززوا ذلك بفتاوي تكفيرية لكل من يدافع عن هؤلاء الكفرة الذين جاءوا لأغراض التبشير والتنصير تحت ستار الإغاثة الإنسانية. وولد ذلك حرص الكثيرين وانا منهم بالاهتمام والبحث في دهاليز الحملة الشعواء لنرى ونحصى عدد الذين ارتدوا عن الإسلام واعلنوا تنصرهم او ربما اعتكفوا يتعبدون سرا في صوامعهم المخفية التي تحتضنها كهوف الضالع المعروفة بجبالها الشاهقة والوعرة التي حتى بريطانيا العظمى عجزت عن ملاحقة الثوار فيها ابان حرب التحرير في النصف الثاني من القرن الماضي. وبعد صولات فكرية حوارية في ميدان الفتاوي والتشريعات والفقه والحديث والعقيدة خاضها المجاهدون وغيرهم - ممن يكتبون دون التفرقة بين التاء المربوطة والهاء ولا يكترثون لمواضع الهمزة وتراكيب الجمل- تلقينا فيها تهديدات وفتاوي نارية تتوعدنا تلميحا وتصريحا بالويل والثبور في الدنيا قبل الآخرة. وقد اسفرت تلك المعارك عن عدوات وتفاهمات مزدوجة خلطت الحابل بالنابل ضاع معها موضوع السجال وظلت الجيوش الطرق وتوقف هدير المدافع عند الحدث الأكبر ساعة اكتشاف (النفيطة).
لا مجال لاستصغار امر وشأن (النفيطة) فالخيل داحس كانت سببا لحرب داخل قبيلة غطفان بين فرعي عبس وذبيان - قتل فيها فارس بني عبس عنترة - استمرت لأربعين عاما جرّت معها العديد من القبائل العربية في زمن ما قبل البعثة النبوية. وقد قالت العرب (ان معظم النار تحدث من مستصغر الشرر).
هكذا وجدنا انفسنا امام عدد من حالات النفخ لعدد من (النفيط) من قبل جمع من الاناث العاملات في مجال الإغاثة استدعى معه دحر اللثم من على الافواه حتى يتمكن من نفخ (النفيط) إيذانا ببدء فعالية الاحتفال بما انجزن من عمل شاق في خدمة المساكين والمحتاجين. اذا نحن اليوم امام معضلة كبرى عجزنا جميعا عن ايجاد مخارج لها, ورغم توقف صهيل الخيول وصليل السيوف الا ان البركان لم يخمد وسيثور في أي لحظة ليأتي على الأخضر واليابس حتى لربما لن نجد من ينفخ (نفيطة) ليس في الضالع فحسب بل في الجنوب كله لعقود قامة عديدة.
لكننا لن نيأس فما زلنا نجتهد دون تواني للبحث عن حل يخمد النار المتأججة رغم شكّي القوي في الجدوى من ذلك مع من قابل فرقعة (النفيطة) بتفجير القنابل. إن (النفيطة) بدعة وكل بدعة ظلالة وكل ظلالة في النار, طالما وقد فشلنا حتى الان في ايجاد سند يشرّع ل (النفيطة) خلال بحثنا الطويل داخل المخطوطات وفي بطون امهات الكتب والمراجع التاريخية ولم نقتف أي اثر ل (النفيطة) في سيرة الفاروق عمر ابن الخطاب أو الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين لا نفخا ولا تزيّنا. أذا ف(النفيطة) شيئا منكر تستحق الوقوف امامها بإجمال وليس امام حالة نفخها فقط بل حول استيرادها وبيعها وشرائها واستخدامها.
اذا انتقلنا الى التأصيل في موضوع تحريم (النفيطة) فإننا سنبدأ في البحث في اصول الكلمة نفسها التي لم نجد لها اثر في المعاجم العربية حتى تملكنا الظن بانها كلمة اجنبية وهو ما عزز القناعة لدينا بوجوب التحريم القطعي. وبعد جهد جهيد اهتدينا الى المعنى المقابل لها بالعربية وهو البالون. وهنا بدأ مشوار البحث في جوانب وحيثيات الفتوى المحرّمة للبالون شرعا. ماهي وظيفة البالون ومن اخترعه. بكل تأكيد ليس اختراع اسلامي بل انه من صناعة الكفار ويستخدمونه ل اللهو والفرح. يا للهول فإننا نقلد الكفار ونتشبه بهم في امر منكر، ربنا لا تؤخذنا واغفر لنا واصفح عنا فقد كنا في ظلال مبين.
لقد مسكنا بتلابيب البالون الان ولم يعد لدينا من شك او خيار بوجوب التحريم قياسا, ولا ضير من عدم ورود ذلك في القرآن طالما وان السلف الصالح لم يفعل هذا ناهيك عن انه تشبها صريحا بالكفار.
بالعودة للمألآت والعواقب التي نتجت عن نفخ (النفيط) في الضالع في تفجير عدد من القنابل التي استهدفت الاموال العامة المتمثلة بالمباني والشروع في قتل وازهاق الارواح وقد ستر الله على الابرياء ولم يصب احد بأذى، أن (النفيطة)ايضا وهو الأهم كانت سببا في خلق الهلع الشديد بين المواطنين في الضالع وإحداث البلبلة والخوف لدى الجنوبيين في الداخل والخارج بإجمال وتولد لديهم شعور كاسح بان ولاية (قندهار)الجنوب تتحفز للإعلان عن بدء مسيرة الذبح والسلخ الذي سيطال الجنوب كله, فالضالع ليست كغيرها.
إن عزوة (النفيطة) المباركة تعد منعطفا هاما في مسيرة الجهادية السلفية في الضالع والجنوب وبداية لحظة التمكين حيث انبرى المدافعون عمن قاموا بهذه الغزوة بشجاعة نادرة في حواراتهم وسجالاتهم بأسمائهم جهارا ودون مواربة في صفحتي وصفحات عديدة على الفيسبوك وعززوا دفاعهم في بيانات بدأت بالشتم وتدرجت حتى إصدار فتاوي القتل والتهديد لكل من يتعرض لغزوة (النفيطة) بالنقد او الشجب او التلميح والمس بهذا العمل المبارك والمجاهدون السلفيون عموما في أي مكان كانوا.
ومن الدروس المستقاة من غزوة (النفطية) نستشف انها لم تحدث صدفة او انها حدث انفرادي بل انه خطط لها بعناية فائقة ومن قبل دهاة الجهاد السلفي الموالون لأميرهم في الرياض صاحبها حصار سعودي محكم على هذه المنطقة وتعزيز لجبهة الحوثي على تخوم الضالع بالمجاهدين من جيش الشرعية وفرق الأصوليين وتبعها هجوم صاروخي على منصة الاحتفال بتخريج دفعة جديدة للمقاتلين المقاومين في الضالع استهدف عناصر القيادة. لهذا فان (النفيطة) هي تجسيد حقيقي فاقع للتحالف السعودي السلفي الاخوانجي ضد المقاومة الجنوبية ومعقلها في الضالع خاصة وان (النفيطة) لم تنفخ في ليلة عيد الميلاد المجيد او في ليلة راس السنة الميلادية 2020م.
واخيرا استمح عذر القارئ الكريم لعدم استعراضي لجوانب الفشل الذريع لعاصفتي الحزم والامل في هذا المقال رغم عنونتي له بالتحالف لأن هذه المسالة تعد هينة وصغيرة امام حدث غزوة (النفيطة) التاريخية العظمى التي تحتاج الى حيز كبير لمناقشتها وتجنب كوارثها وتوابعها.