حال اليمن هو الأسوأ نعم ، ولكن ذلك ليس مقياسا للنظر في الحالتين السودانية والتونسية. المقارنة لا تكون بالأسوأ ، وانما بممكنات كانت متاحة ، وتطلعات كانت تحاول إرساء تجربة ناجحة للانتقال السياسي. كان حال السودان وتونس سيكون افضل ، لو تمكنت القوى السياسية من ارساء تجربة ناجحة للتعايش والقبول ببعض ، وتداول السلطة ، وتثبيت الدولة كمؤسسة جامعة ، وضامنة لأمن البلد وضامنة للتجربة الديمقراطية معا. لقد فتح الانقلابين أبوابا للأزمات ، ولم يغلقا باب سقوط الدولة ، كما يتوهم الممسوسين بنار ضياعها في اليمن. لا أسوأ من حال اليمن على وجه الأرض .. نعم ، لكن ذلك ليس حجة على التوانسة والسودانيين ليقنعوا بماهو أقل ضررا من حالنا ، كما أنه ليس مبررا لكي يقصِر اليمني مقاس عقله على مقياس المتاهة الواقع داخلها. صحيح ان أزمات الانتقال في بلدان الربيع العربي اثبتت ان انجاز " الدولة " أهم من الديمقراطية ، وسابق لها ، لكن تجربة اربعين عاما من الاستبداد كانت قد حاولت تبرير نفسها بهذه المهمة " بناء الدولة " ، واتضح في الاخير ، في اكثر من نموذج ، انها كومة قش. الدولة ليست التسلط واحتكار السياسة. الدولة هي المؤسسة الجامعة التي تضمن تمثيل عادل لكل مكونات المجتمع ، وتستجيب لتطلعاته واولوياته. الأهم من كل ذلك ان العامل الخارجي ، وتحديدا الاقليمي وخلفه الدولي ، كان اساسيا في حالات انهيار الدول وتوطين الحروب الانتقالية ، وليس لأن الناس تجرؤا على الحلم بأن يكونوا صناعا لمصائرهم وشركاء في بلدانهم. الميليشات والانقلابات والتدخلات الخارجية ليست نهاية التاريخ ، ولن تكون نقطة النهاية للحالمين بغدٍ أفضل. التاريخ لا توقفه السلطة الغاشمة ، أكانت ميليشات طائفية ، انقلابات تتذرع بحماية الدولة ، أو أموال النفط ودويلاته أو أي قوة على وجه الأرض. التاريخ يتحدد في أنات المظلومين ، والصدور المتقدة بحلم الحرية والكرامة ، لا بالكعب الحديد. والدولة يحافظ عليها بالعدل والقانون والخضوع للدستور وما توافقت عليه ارادة المجتمع ، لا بالانقلاب عليها. العسف والطغيان إلى زوال.