باعتقادي أن كل الحضارات اليمنية القديمة لم تشكل يوما ما قطبا دولياً مستقلا ومنافسا في هذا العالم باستثناء حضارة سبأ الأولى والتي امتدت سيطرتها لتشمل ضفتي البحر الاحمر وشاطئ البحر العربي ومناطق في الحجاز واجزاء كبيرة من عمان وهو ما أثبتته الاستكشافات الأثرية عبر نقوش سبئية بخط المسند في هذه المناطق ، بينما شكلت الدويلات التي تناسلت من هذه الحضارة توابع إما للقطب الفارسي أو القطب الرومي ، وذلك بعد فجوة زمنية كبيرة حدثت بعد انتهاء الدولة السبئية الأولى جعلت اليمن يتشظى ويتشطر إلى دويلات ، وتم توحيده مع بقاءه تابعا في الغالب للأمبراطورية الفارسية .
لست مع فكرة استدعاء الماضي كحضارة قومية أو عقيدة دينية من أجل خلق جدال يعزز تمزق نسيجنا الإجتماعي ويهدد وحدتنا القومية والدينية والإجتماعية مهما كانت مبررات الواقع الذي لن يتغير إلا بثورة وعي ونضج بأهمية وجود دولة قانونية تعيد لليمن اعتباره وتحفظ لمواطنيه كرامتهم وتضمن حريتهم السياسية والدينية والشخصية بعيداً عن أي إستغلال خارجي أو استعمال داخلي ، ولكم في نتائج سياسية رد الفعل الذي تم اتخاذها قبل هذه الأحداث واقع ومصير مؤلم لا يرضاه كل إنسان لديه ضمير حي .
صحيح بأن هناك بعض الدول التي حققت نجاحات على الواقع استدعت تاريخها وعززت الروح القومية لدى مواطنيها ولكن ظل هذا التاريخ مجرد عامل إلى جانب الكثير من العوامل التي ساعدت في تكوّن كتلة النجاح المتراكمة ، وفي المقابل هناك نماذج كارثية نتجت عن استدعاء بعض البلدان للإرث القومي في مسارها السياسي والعسكري وهو ما حدث في المانيا عندما أفرز واقع التعصب للعرق الاريمي الحركة النازية التي تسببت بملايين الضحايا من البشر ودمرت جزء كبير من عمارة الأرض.
إن واقعنا اليوم لا يحتاج استدعاء الماضي القومي أو الديني وتحويله إلى بؤرة جدال تصرف أنظارنا عن قضايا أساسية تدق جيد وطننا وتهشم رأسه ، بقدر ما نحن بحاجة إلى كتلة وطنية تجمع كل مكونات الشعب حول مشروع بناء الدولة الذي سيحقق لنا إستقرار سياسي يوفر لنا ميدان وبيئة مناسبة لممارسة حياتنا الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية بالشكل القائم في الكثير من الدول ، ولكم في أمريكا ذات المائتن عام مثالا في النجاح والإستقرار.