آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-08:57ص

الحيازة لا تكون دليلاً على الملكية متى أقيمت البينة الشرعية على خلاف ذلك

الثلاثاء - 04 يوليو 2023 - الساعة 08:41 م
جواد النابهي

بقلم: جواد النابهي
- ارشيف الكاتب


‏في عيد الأضحى المبارك وبمناسبة إجتماعية أحد الأصدقاء يسألني عن سبب تحمس القانونين ودعمهم لشخص ينازع الغير في قطعة أرض معينة مدعياً أحقيته بالإنتفاع بها بالاستغلال والتصرف مطالباً باسترداد حيازتها ورفع اليد الغاصبة عنها لكونها مملوكة لمورثة (أبيه - أمه - جده) وفقاً لوثيقة يزيد عمرها عن قرنٍ من الزمن؟ بالعامية لماذا جد هذا الشخص لم يطالب بهذه الأرض إذا كانت فعلاً مملوكة له؟ طالما وهذه الأرض بيد شخص آخر ويستغلها استغلال المالك؟

 

في الحقيقة استوقفتني أسئلته قليلاً ، وعليه أذكر بداية إنه في الآونة الأخيرة انتشرت وشاعت ظاهرة الإستيلاء على الأراضي والبسط عليها بوضع اليد عليها لحيازتها وفرض سياسة الأمر الواقع على المُلاك ، ومن ثم فقد تداخلت مفاهيم البسط والحيازة وتوصل بهما الظلمة والمعتدون للاستيلاء على أموال الناس بالباطل ، وإذا قيل لهؤلاء اتقوا الله قالوا: نحن حائزون ثابتون على الأرض بعد أبونا وجدنا ، وتبعاً لذلك فإن الحيازة صارت الدافع الأهم والأعظم للأعتداء على الأراضي والبسط عليها تمهيداً للسيطرة عليها ، حيث أُستعملت وسيلة الحيازة استعمالاً سيئاً فصارت باباً من أخطر الأبواب التي تفضي إلى أكل أموال الناس بالباطل، وحيث أن الثابت أن الشريعة الإسلامية تُحرم وتُجرم غصب أموال الغير والبسط عليها ، والأدلة في هذا الشأن من الكتاب والسنة كثيرة ومنها قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ...الحديث) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : (ليس لعرق ظالم حق) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من غصب شِبراً من الأرض ظلماً طوقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين) ،،، 

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ماذا يُقصد بالحيازة وانواعها؟ وهل هي من أسباب الملكية؟ وما هو موقف المشرع و #القضاء_اليمني من ذلك؟

 

وللإجابة على تلك الأسئلة يتوجب علينا تعريف الحيازة والتي يقصد بها بإنها: واقعة مادية ظاهرة مجردة تعني أن شخصاً ما واضعاً يده على مال أو حق ويتصرف به كأنه المالك الفعلي لهذا الشيء ، ولذلك عرفت المادة (١١٠٣) مدني يمني الحيازة بأنها: (استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه).

 

وللحيازة صورتين:- 

الأولى: حيازة مشروعة السبب: وهي التي تؤيدها مستندات شرعية تثبت ملكية الحائز لها. والثانية: حيازة غير مشروعة السبب: وهي التي يفتقر فيها الحائز للمستندات الشرعية التي توضح سبب حيازته لها ، وهذه #الحيازة فهي مجرد قرينة على أن الحائز هو المالك للأرض وهذه القرينة بسيطة واليست قاطعة إي أنها تقبل إثبات العكس لكونها حيازة ناقصة ، وفقاً للمادة (١١١١) مدني والتي نصت بقولها: من كان حائزاً لشيءٍ أو حق أُعتبر مالكاُ له حتى يقوم الدليل على غير ذلك) ،، ولا تُعتبر سبباً للملك ولا تجعل الحائز يكسب ملكية الشيء الذي بحيازته مهما طالت مدة حيازته لذلك ، وهو ما أخذ به المشرع اليمني عند تنظيمه لأسباب الملكية في المادة (١٢٢٤) مدني ، ولم يكتفي #المشرع اليمني بذلك بل أهدر الحيازة وحدَّ من تأثيرها إذا قدم المدعي أية بينة على ملكيته للأرض محل النزاع.

 

أما موقف #القضاء من ذلك يظهر جلياً في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في المحكمة العليا اليمنية بتاريخ 31/ 3/ 2007 م. والذي أقر قاعدة قضائية مفادها بأن: (الحيازة ليست دليلاً على الملك متى أقيمت البينة الشرعية بالكتابة أو الشهادة أو حتى القرائن) ، وخلاصة وقائع تلك القضية أن أحد الأشخاص كان قد عثر على مستندات بصائر وإجارات تُفيد بأن أراضٍ كانت ملكاً لأبيه منذ ستين عاماً ، ولكنها بحيازة شخص آخر يظهر عليها بمظهر المالك لها باعتباره حائزاً لها، فما كان منه إلا أن قام بالمطالبة الودية للحائز لتلك الأراضي الذي رد على المدعي بأنه ثابت وحائز للأراضي المدعى بها منذ ستين عاماً من غير منازعة أو اعتراض ، وعندئذٍ لم يجد المدعي من بُد إلا اللجوء إلى المحكمة الإبتدائية المختصة حيث قام برفع الدعوى أمامها مطالباً بالأراضي التي كانت ملكاً لأبيه والتي هي في وقت رفع الدعوى بحيازة المدعى عليه وقد رد المدعى عليه على هذه الدعوى بأنه ثابت وحائز للأرض المدعى بها منذ ستين عاماً من غير منازعة أو إعتراض من أحد وأن القانون المدني النافذ يكفل أحقيته في الأرض باعتباره حائزاً لها منذ ستين عاماً وأن حيازته طوال هذه المدة كافية لثبوت ملكيته للأرض المدعى بها ، وبعد أن أمعنت المحكمة الإبتدائية النظر في هذه القضية خلصت إلى الحكم بعدم قبول الدعوى لثبوت حيازة المدعى عليه للأرض المتنازع عليها واستقرار يده عليها ، الأمر الذي دفع بالمدعي بطرق أبواب محكمة الإستئناف المختصة عارضاً أمامها القضية ومستنداتها وبعد أن نظرت محكمة الإستئناف في الطعن والرد عليه وبعد مطالعتها المستندات التي أبرزها المدعي أمام المحكمة الإبتدائية مستدلاً بها على ملكية أبيه للأرض المتنازع عليها وأيلولتها إليه من بعد أبيه وعندئذٍ حصحص الحق ، فلم تجد محكمة الإستئناف إلا أن تحكم بقبول الإستئناف شكلاً وموضوعاً وتقرر أحقية وملكية المدعي للأرض محل النزاع ورفض مزاعم المدعى عليه والمتضمنة تمسكه بالحيازة.

 

وحينئذٍ لم يقنع بهذا الحكم المحكوم عليه (المدعى عليه) الحائز للأرض حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي مستنداً في عريضة طعنه إلى أنه حائز وثابت للأرض محل النزاع منذ ستين سنة ، وبعد دراسة الدائرة المدنية بالمحكمة العليا للطعن وأوراق القضية خلصت الدائرة المدنية إلى تأييد الحكم الإستئنافي ولم تكتفِ بذلك بل أنها قررت قاعدة مفادها أن: {الحيازة ليست دليلاً على الملك متى أقيمت البينة الشرعية على الملك بالكتابة أو الشهادة أو حتى القرائن} وقد أستندت المحكمة العليا إلى الأسباب الآتية:

١- أن حيازة الملك (الثبوت) مشروطة بأن لا تكون حيازة الشيء حيازة إنتفاع عملاً بالمادة (١١٠٤) مدني.

٢- أن حيازة الملك (الثبوت) مشروطة بعدم قيام الدليل على غير ذلك عملاً بالمادة (١١١١) مدني.

- أن حيازة اليد لا تُثبت حقاً فيما يملك الغير إلا ببينة شرعية ولذلك قررت المادة (١١١٤)  مدني سماع دعوى الملك على ذي اليد الثابتة إذا أقيمت البينة الشرعية على الملك بكتابة صحيحة أو بشهادة عدول أو حتى القرائن عند الترجيح بين دلائل مدعي الملك ودلائل ذي اليد الثابتة.

 

وبهذا الحكم نجد أن المحكمة العليا قد أنتصرت للحق وأسندته إلى مالكه الذي أثبت ملكيته ، ولم تلتفت إلى الحيازة التي تمسك بها الحائز مع أن مدة الحيازة كانت قد زادت على ستين سنة.

#جواد_النابهي

#المدونة_القانونية