آخر تحديث :الجمعة-09 مايو 2025-08:37م

ميفعة حسمت امرها

الأحد - 05 يناير 2025 - الساعة 04:43 م
المحامي صالح عبدالله باحتيلي

بقلم: المحامي صالح عبدالله باحتيلي
- ارشيف الكاتب


الحداثة تمثل تحولًا نوعيًا في بنية المجتمعات، تقوم على مبادئ الديمقراطية، والمواطنة المتساوية، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية. لكن بالنسبة للجماعات التي تعتمد على التفرقة والسيطرة المطلقة، فإن هذه المفاهيم تمثل تهديدًا مباشرًا لوجودها. بالتالي، يصبح من الضروري لهذه الأنظمة عرقلة مسارات التحديث لضمان بقائها في السلطة.

في مشهد يثير القلق في العديد من المناطق، بات واضحًا أن السلطات القبلية الحاكمة في عتق، تسعى لتثبيت هيمنتها في المديريات الجنوبية (ميفعة) من خلال تحريك أدوات تقليدية كانت قد أصبحت هامشية ومن الماضي، واضحت مرفوضة من المجتمع، باتجاه دعم حكم قبلي موالي لها في ميفعة. ان استيلاء عساكر القبيلة المهيمنة في محافظة شبوة واحتلال مديريات ميفعة، وفتح معسكرات على مشارف المدن، كانت الخطوة الأولى لمشروع طويل من الهيمنة القبلية القادم من عتق وشركاؤهم شركا الاستبداد، الخطوة الثانية يبدو أنها بدأت بالتحريض والدعوة لبعث القادة القبليين وإعادة إحياء المناطقية والمشايخ، لمواجهة مسارات الحداثة والتطور المجتمعي. التي تدعو اليها ميفعة، ودعوات مغادرة شبوة وإغلاق البحر والاتجاه الى حضرموت.

ان السلطات القبلية في عتق لن تتوانى عن فعل أي شي في سبيل منع ميفعة من مغادرة شبوة، وسيستخدمون، أدواتهم المحلية، التي اعتادت على الارتزاق لتفتيت النسيج الاجتماعي، من خلال بعث مشايخ القبائل الذين اصابتهم عدوى مرض المشيخة المقززة من جديد، إن إعادة إحياء هذا الدور ليس بهدف تعزيز الهوية الوطنية، بل بغرض زرع الانقسامات. لفرض مشروع فوضى هيمنة القبيلة القادم من عتق، ذلك الشكل اجتماعي البدائي المتخلف، المسيطر منذ فترة طويلة، الذي مازال لا يريد الاستسلام للشكل الجديد لإدارة المجتمع الذي اسماه العالم دولة. ولا يريد أصحاب هذا المشروع البدائي ان يفيقوا، أو ان يسلموا ان التحول من الشكل البدائي هذا الى الدولة الحديثة، دولة المؤسسات والقانون قد حدث منذ قرون. لكن مع كل ذلك سوف تخسر جميع تلك الأطراف، ميفعة في المستقبل القريب في نهاية المطاف.

تعمل السلطات على استقطاب قادة القبائل من خلال تقديم الامتيازات والمناصب، وتحريضهم على تعزيز النفوذ القبلي على حساب فكر الحداثة الذي يدعو إليه تيار ميفعة. بهذا التحريض يطمحون إلى خلق ولاءات ضيقة، يرون أنها تعزز الانقسام بين مكونات المجتمع، مما يُضعف قدرته على المطالبة بالتغيير.

إلى جانب النهج القبلي، تعمل السلطات على إذكاء المناطقية، وهي أداة فعالة في تدمير النسيج المجتمعي. المناطقية تُستخدم كوسيلة لتقسيم المجتمع إلى فئات وجماعات متناحرة بناءً على أوهام مشيخات قديمة. واوهام الوصاية التي يحلم بها بعض المشايخ القبليين.

هذا الأسلوب يخلق بيئة من الشك وعدم الثقة، ويحول الانتباه عن القضايا الأساسية مثل ضرورة خروج ميفعة من هيمنة محافظة شبوة، وسوء الإدارة والفساد، ليصبح التركيز على الخلافات المناطقية التي لا تخدم سوى أجندة السلطة.

إن سعي السلطات الحاكمة إلى منع الحداثة من خلال احيا مشروع القبيلة وبعث المناطقية لا يمثل مجرد سياسة مرحلية، بل هو مشروع طويل الأمد لتثبيت الهيمنة. مع ذلك، فإن المجتمعات المحلية ينبغي ان تعي خطورة هذه السياسات حتى يمكنها التصدي لها من خلال العمل الجماعي والنضال من أجل بناء ميفعة المدنية القائمة على قيم المساواة والحرية والعدالة.

سياسات إعادة إحياء القبلية والمناطقية اذا قدر لها النجاح، ستكون لها آثارها الكارثية على المجتمع الميفعي الذي يعتبر أفضل حالا من شبوة الغارقة في فوضى القبيلة. ان فوضي الانتماء القبلي تضعف الهوية الوطنية، ومع تصاعد النزعات القبلية والمناطقية، تصبح الهوية الوطنية مشوشة وغير قادرة على توحيد الناس. وتؤدي الانقسامات الداخلية بفعل ادعاءات أوهام الوصاية القبلية إلى تعطيل مشاريع التنمية، حيث تتحول الموارد إلى أدوات لتغذية النزاعات بدلاً من تحسين حياة المواطنين. وعندما يشعر المواطنون بأن السلطات تدعم الانقسامات بدلاً من معالجتها، فإن الثقة بالدولة تتآكل، كما حدث سابقا في تجربة دولة القبيلة. التي عمقت الانقسامات القبلية والمناطقية، التي تطورت إلى صراعات مستدامة أدت الى تخلف فضيع، فأصبحنا الدولة الأخيرة في العالم لهذا السبب.

للتصدي لهذه السياسات المدمرة، يجب على القوى المجتمعية والسياسية العمل على تعزيز الوعي المجتمعي من خلال نشر ثقافة المواطنة وقيم الوحدة الوطنية كأولوية أساسية، والتحرك نحو بناء نظام مدني خالي من حكم العسكر والقبيلة، وحكم ذاتي في ميفعة قائم على العدالة والمساواة والمشاركة الشعبية، ولكي يشعر جميع المواطنين بأنهم جزء من عملية التنمية، يجب إعادة توزيع الموارد بشكل عادل. وإلغاء الامتيازات القبلية والمناطقية نهائيان وقطع الطريق عن وهم الوصاية القبلية التي يحلم بها بعض المشايخ، وتعزيز فكرة الدولة المدنية التي لا تعتمد على الانتماءات الضيقة.