سئمت الناس وعلى مدى أكثر من عقد من مايسمعوه عن حال الكهرباء اليومي واضحت عند الناس تلك الترنيمة التراتبية مدعاة للسخرية والتهكم ، وهي تردد على مسامعهم صباح مساء مابين نفاد الوقود واعطاب أخرجت المنظومة وإخراج محطات لغرض الصيانة .
انتظر الناس بفارغ الصبر جنوح الطقس إلى البرودة حتى يتحقق لهم حلم تقصير مدة الانقطاعات ، ويشعرون معها بشيء نسبي من إستقرار الخدمة ، لكن وعلى مدى عامين متتاليين و في نفس هذا التوقيت تنبري لهم معزوفة نفاذ الوقود ليصبح شتاءهم بمعاناتهم مثل صيفهم الحار .
لاشك أن مايحدث في خدمة الكهرباء قد أضاف عبئ مالي جسيم على المواطن في ظل حالة من الفقر العام بسبب التضخم الإقتصادي ، وتهاوي العملة الوطنية ، كما أضافت الخدمة العرجاء للكهرباء أعباء على النشاط التجاري والتي تجيٌر تكاليف ذلك العبء الإضافي على السلع الإستهلاكية المباعة للمواطن المطحون من الجانبين .
الناس انتظرت انخفاض درجة الحرارة النسبي من نوفمبر/مارس حتى تتلقى بشارات انخفاض الأحمال ،وذلك مما يعني تشغيل لوقت أطول وانقطاعات لوقت أقل ، ومازالت الأحمال في تزايد (مثير للغرابة ) في ظل توليد متواضع .
إن تمديدات الكهرباء المستمرة دون توقف للبيوت السكنية والتي قامت بالربط العشوائي نعتبره حديث يمكن النظر إليه وتفهمه بحسب مبررات تسوقها مؤسسة الكهرباء منذ عقد من الزمان ، ولكن أن تستمر تمديدات الكهرباء إلى مدن كاملة وعمارات نشئت حديثا وأسواق تجارية كبرى يتجاوز استهلاك إحداها لتشغيلها (1,5ميجا) هذا أمر جلل ويجب الوقوف عنده طويلا لفهم أسباب ودوافع مايحدث .
لايجوز وفي ظل تواضع التوليد أن تستمر تلك التمديدات والتي بسببها أطالت فترات الانقطاعات ، بحيث وصلت إلى أكثر من ثمان ساعات مقابل تشغيل لايتجاوز الساعتين فقط ، ووصل الأمر إلى إنقطاع الكهرباء عشرين ساعة مقابل اربع ساعات تشغيل في اليوم في منطقة يقال عنها انها العاصمة السياسية وايضا العاصمة الإقتصادية.
حتى اذا توفر الوقود في لحظات نادرة نجد إن الانقطاعات لاتهبط وتبقى في حدود (4/5) ساعات للجرعة الواحدة ، وهذا يؤكد إن التمديدات الجديدة مستمرة وعلى قدما وساق دون الالتفات إلى تواضع التوليد ، وصعوبة توفير الوقود .
يحتاج الأمر إلى إعادة تقييم أداء عمل وزارة الكهرباء و المؤسسات التابعة لها من كل الجوانب ( فنيا، إداريا ،ماليا) والبحث عن الخلل إن وجد والعمل على إصلاحه .
المجلس الانتقالي لوحده رفد منظومة الكهرباء في عدن بمايقارب 170 ميجا استشعارا منه بالمسئولية في تخفيف معاناة المواطنين منها محطة انترسولار 50ميجا ومحطة الطاقة الشمسيه 120ميجا ، ولكن للأسف لم يشعر المواطن بتلك الجهود المتميزة بسبب الإستمرار في رفع الاحمال وذوبان كل تلك الجهود في تلك التمديدات وخاصة تمديدات المدن الحديثة والمصانع والأسواق التجارية الكبرى والبنايات الضخمة ،.
محطة عدن الجديدة هذا هو اسمها في أوراق الحكومة (,بترومسبلة) كانت الامل في رفع مستوى التوليد بعد تشغيلها بصورة يلمسها المواطن ، وهاهي تراوح مابين ال90ميجا وال60ميجا ، علما بأن قدرتها الإنتاجية تتجاوز 260ميجا ،ولم يتم تشغيل التوربينين في نفس التوقيت بعد إستكمال مشروع خطوط النقل وقدرتها الفنية على تشغيلها بطاقتها القصوى .
المحطة القطرية 50ميجا تعثر العمل بها وتوقفت منذ أعوام ، وتعددت الأسباب واهمها رداءة الوقود مما تسبب لها بإعطاب كبيرة ، غادرت الأجزاء المتضورة خارجا لإصلاحها منذ أكثر 18شهر ولم تعد تلك الأجزاء ولم يسمع عنها أحد ، ويكأنه سرا حربيا ، وقد غادرت تلك التوربينات إلى هولندا في 21مايو2023م وسيتم إصلاحها على نفقة صندوق قطر للتنمية بالشراكة مع شركة النبراس حينها قامت شركة PWA الأميركية بفك التوربينات وتجهيزها للرحيل الى امستردام .
لاضرر من تلك التمديدات إذا كان التوليد قد تحسن و يسمح بتلك التمديدات الحديثة ،ولكن استمرارها في ظل توليد متدني يعني زيادة المعاناة للمواطن والنشاطات التجارية القائمة ولانعرف لحساب من يتم تعميق هذه المعاناة. .
الأمر يتطلب وبشكل عاجل ومًلح تقييما فنيا وإداريا وماليا للوقوف أمام مستوى أداء وزارة الكهرباء ومؤسساتها ، لمساعدتها في إصلاح الاعوجاجات إن وجدت والانطلاق من أرضية صلبة قادرة على الإستمرار والتطور ، ومساعدتها على التخلي تدريجيا عن إستئجار محطات تأجير الطاقة المكلفة وغير الفعالة .
من المؤكد إن عزوف المستهلكين ( مواطنين/حكومة) لدفع قيمة الاستهلاك قد أثر على أداء وزارة الكهرباء ومؤسساتها بالسلب ، وهنا الأمر يحتاج إلى إعادة تقييم حقيقي ، وكما تحتاج إيضا محطات التوليد الحكومية تقييم ، وأداء نشاط المناطق الثلاث في العاصمة عدن والنظر بإهتمام للهيكل الوظيفي لوزارة الكهرباء والمؤسسات التابعة لها ، وكذلك تقييم الإنفاق التشغيلي لها ، والنظر إلى حجم مطابقتها للوائح والقوانين النافذة .
إن إنجاز تقييم موضوعي لوزارة الكهرباء ومؤسساتها و تسليط الضوء على العقبات التي تعترض جودة ألأداء في وزارة الكهرباء ومؤسساتها ، وإيجاد حلول ناجعة تستقر معها هذه الخدمة الإستراتيجية ، والتي مافتئت تعكر صفو الحالة العامة للمواطن والاقتصاد المحلي على حدا سواء ، وعلى مدى عقد وأكثر أيما تعكير.