منذ القرن التاسع عشر كانت مدينة عدن شاهدة على ولادة الإعلام في الجزيرة العربية حيث لعبت دوراً ريادياً في تشكيل المشهد الثقافي والسياسي للمنطقة جاء هذا الدور نتيجة دخول الطباعة لأول مرة عام 1853 حين جلبت سلطات الاحتلال البريطاني أول مطبعة لخدمة أغراضها الإدارية هذه البداية المتواضعة شكلت الأساس لنمو سريع في قطاع الإعلام مع إنشاء مطابع بارزة مثل قهوجي دنشو وأخويه عام 1874 وهوارد عام 1889 ما أتاح للمجتمع العدني منصة تعكس تنوعه الثقافي واللغوي في عام 1900 صدرت أول صحيفة في عدن بعنوان جريدة عدن الأسبوعية لتكون بداية عصر جديد للصحافة في الجنوب وفي أربعينيات القرن الماضي شهدت عدن نهضة صحفية متميزة تمثلت في إصدار 78 صحيفة ومجلة من بينها فتاة الجزيرة أول صحيفة نسائية وصوت اليمن أول صحيفة حزبية هذا التنوع الصحفي عكس حيوية المشهد الثقافي والسياسي في تلك الحقبة .
شهد الإعلام في عدن والجنوب العربي قوانين متباينة عبر المراحل المختلفة ففي عام 1939 أصدرت سلطات الاحتلال البريطاني قانون النشر والكتب الذي ركز على فرض رقابة مشددة على الصحافة خاصة تلك التي تصدر باللغة العربية بهدف كبح المعارضة السياسية وفي الدولة القعيطية الحضرمية تم إصدار قانون الصحافة عام 1953 لتنظيم العلاقة بين الصحفيين والدولة مما ساهم في تطور الصحافة حتى نهاية عهد الاستعمار ومع تشكيل اتحاد الجنوب العربي عام 1963 استمرت القوانين البريطانية في التحكم بالإعلام مع إدخال تعديلات بسيطة بعد الاستقلال وفي عام 1967 ألغيت جميع الصحف والمجلات التي كانت تصدر قبل ذلك وتم السماح فقط بصدور صحف تدعم توجهات الجبهة القومية الحاكمة ما حدّ من تنوع المشهد الإعلامي .
لم تقتصر النهضة الإعلامية في عدن على الصحافة المكتوبة بل امتدت إلى الإعلام المسموع والمرئي تأسست إذاعة عدن عام 1954 لتكون منصة للأخبار والبرامج الثقافية والسياسية مما عزز وعي المجتمع وساهم في خلق حالة من التفاعل السياسي والثقافي وفي عام 1964 بدأ البث التلفزيوني في عدن مقتصراً على المدينة والمناطق المحيطة كان هذا التطور خطوة فارقة في تاريخ الإعلام المرئي في المنطقة حيث أسهم في إيصال الرسائل الثقافية والسياسية إلى شرائح أوسع من المجتمع .
مع إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 تغير المشهد الإعلامي بشكل كبير ألغيت القوانين الإعلامية السابقة وصدر قانون الصحافة رقم 25 الذي كان محاولة لتوحيد الإعلام تحت مظلة واحدة لكن سرعان ما جاءت حرب صيف 1994 لتهمّش الإعلام الجنوبي بشكل كبير حيث تم التضييق على الصحف والمجلات التي تعبر عن قضايا الجنوب ما أثر سلباً على دوره في نقل صوت الشارع الجنوبي .
في عام 2019 شهد الإعلام الجنوبي انتعاشاً ملحوظاً مع تأسيس قناة عدن المستقلة التي أصبحت منصة بارزة لقضايا الجنوب وأداة لتعزيز الهوية الوطنية قدمت القناة برامج سياسية وثقافية تعكس تطلعات الشعب الجنوبي مما أعاد للإعلام الجنوبي مكانته التاريخية كصوت مؤثر في المنطقة .
يثبت تاريخ الإعلام في عدن والجنوب العربي أنه جزء أصيل من الهوية الثقافية والسياسية للمنطقة فقد لعب الإعلام دوراً محورياً في تشكيل الوعي الجمعي ونقل الحقائق عبر مختلف المراحل بدءاً من الاستعمار وحتى اليوم ورغم التحديات العديدة التي واجهها الإعلام الجنوبي فإنه لا يزال متمسكاً بدوره التاريخي في تعزيز الهوية الوطنية وخدمة قضايا الشعب الجنوبي ومع استمرار التحولات السياسية والاجتماعية يبقى الأمل معقوداً على تعزيز الحريات الإعلامية لتظل عدن مركزاً مشعاً للإبداع الإعلامي في المنطقة ..