ربما لم تستطع الحضارة الاسلاميه العربيه، من الحفاظ على مكانتها الحضاريه وتقدمها العلمي والثقافي لاسباب كثيره وعديدة، ولكن يكون من اهمها أنها فقدت الوعاء السياسي الحافظ داخل السلطه، من الانقسامات الطائفية والعصبيه الدينيه ، الذي يؤدي الى انهيارها من حيث ذلك، وقد اوضح أبن خلدون في نظرية العمران الذي أسسه فيه (علم ألاجتماع) عن مفهوم بناء الحضارة وازدهارها ومن ثم عوامل الانهيار لهذه الحضارة ، حيث يقول أبن خلدون ،في مقدمة كتابه ( العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبرر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر ) .
تعد الدولة الامتداد المكاني والزماني لحكم العصبيه فئة ما تقوم العصبيه على الدين او الولاء او الفكر المشترك او الى ما الى ذلك من مشترك يصلح انطلاقا لبناء الدوله واستمراره والعصبيه القويه يكون تمهيد الدوله وحمايتها من اولها ويكون قيامها وسقوطها.
لاشك ان هذا التطور الكبير الذي حصل في الدوله الاسلاميه ، في القرن الثالث والرابع الهجري كما حددها التاريخ الاسلامي ، من تحويل العرب من قبائل بدويه فقيرة متناحرة ، الى أمه قويه قدرت تسيطر على مشارق الارض ومغاربها، و الى دوله كبيرة و قويه أستطاعت هزيمة أكبر قويتين كبيريتين في ذلك الوقت هما الفرس والروم ، كما انفتح فيه الفكر العربي الى أفاق واسعة و مفاهيم جديدة في التطور الانساني، في البيئه العربيه من البداوة الى الحضارة ،والانتقال من مرحلة الجهل والبداوة ،والتخلف التى كانت سائده الى مرحلة اخرى من التطور و البحث العلمي والثقافي والاجتماعي ، وذلك من خلال الاحتكاك بالثقافة الغربيه وخاصة من ترجمات كثيرة لعصر الموروث التاريخي لفلسفة اليونانيه من الحضارة الاغريقيه. فنتج عن ذلك الكثير من العلماء والمفكرين الاسلامين الذين أسهموا وأثروا بفكرهم الواعي و الانساني والتطور العلمي في وضع أسس علميه جديدة ومفاهيم نظريه لحرية التفكير والعدالة من أمثال أبن سيناء والفارابي وابن رشد و وجابر بن حيان والخوارزمي وأبن الهيثم وأبن خلدون وغيرهم الكثير ، الا ان ذلك جعلهم عرضة لصدامات كثيرة مع بعض العصبويه المتشددين من الفقهاء الشريعة، وعلم الكلام ووضعوا امام تحديات كبيرة في مواجهة مع ولاة ألامر من الخلفاء الحكام الذين أنحازوا الى رأى وفتاوى الشيوخ من الفقهاء، مما جعلهم عرضة لتنكيل بهم واستباحة دمائهم وأحراق كتبهم ،في ظل الحضارة الاسلاميه الكبيرة التي لم تستطع حماية حضارتها، وحرية الفكر والعلماء فنكل وشرد وقتل الكثير من العلماء والمفكرين الاسلامين.
ولوا نظرنا الى هولاء العلماء امثال أبن سيناء الذي لقب بأبو الطب والفارابي وأن رشد وجابر بن حيان ، والخوارزمي مخترع الصفر وواضع الارقام التي تعرف ألان ومؤسس علم الجبر وغيرهم من الذين تعرضوا الى اتهامات طالتهم بالكفر والزندقه والالحاد فكانت تهمة الزندقة هي السلاح الذي أستخدمه أعداء العلم و الحقيقة ضد العلماء والمفكرين ، توقف العلم والتطور بفتاوى التكفير والزندقة والعودة الى نقطة الصفر .
يعد أبن رشد من أعظم الفلاسفة والعلماء في التاريخ الاسلامي بصفة عامه، والذي جمع مابين الحكمه والطب وتضاربت حوله الاراء في العديد من الدراسات، الاانه تعرض هذا المفكر الاسلامي الكبير أبن رشد الى النفي واحراق كتبه من قبل الخليفة المنصور، وقيل عنه أنه انتصر للفلافسة الملاحدة على الدين في كتابة (فصل المقال بين الحكمه والشريعة من الاتصال )، وفي كتاب أخر (تهافت التهافت) ، الذي اوضح فيه الرد على كتاب أبوحامد الغزالي ( تهافت الفلاسفة ) الذي اوضح العالم الكبير أبو حامد الغزالي عن تهافت بعض العلماء والمفكرين المسلمين يخص هنا العالم أبن سيناء والفارابي الى الانحياز الى ما يعتقده الفلاسفة اليونانين في ما يعتقدون من قضايا تعد من المسلمات لدى المسلمين ، بينما ساق أبن رشد في كتابه (تهافت التهافت) أن الفلسفة هي مسلك في حرية التفكير وأن الفلسفة لاتتعارض مع الدين وأن كليهما ينهج في الطريقة نفسها ولغاية نفسها .
وطوال فترة زمنيه طويله لم يستطع أحد من كسر الطوق والخروج من ذلك الحصار الذين وضعوه حراس الشريعه والعصبويه الدينيه على طلبة العلم ورجال الفكر ورغم ذلك حتى ان وجدت بعض المحاولات وأن كانت محدودة، وليست بتلك الصورة التي يأتي منها الانفجار الكبير، كما حدث في اواخر القرون الوسطى في دول أوروبا حين كسر الطوق أسحاق نيوتن في نظرية كتاب الاصول الرياضيه للفلسفة الطبيعيه ، وقاموس فولتير الفلسفي وادم سميت المشاعر الاخلاقيه وثروة الامم . فكانت انطلاقة كبيرة للفكر وثورة عصر التنوير في أوروبا ،بعد ان أخفق العرب في كسر الطوق
حيث أن أوروبا وجدت ضالتها وبداية انطلاقه في كل ماكتبه علماء الفكر في الدول الاسلاميه، ومنذو بداية القرن الخامس عشر ميلادي من أمثال أبن رشد وأبن سيناء وجابر بن حيان والفارابي والخوارزمي وأبن خلدون وغيرهم، وأن كان قد تاثروا بالاصول الاغريقيه مثل أفلاطون وارسطوا، لكنهم تجاوزوا ذلك من خلال دلوهم بافكارهم الخاصة ،بشأن قضايا العلم مثل الطب والكيمياء وألاجتماع وغيرها ،وأسهموا في تطورها مثل أبن سيناء في أكتشاف الدورة الدمويه في جسم الأنسان، وعلم البصريات الذي وضعه أبن الهيثم، والخوارزمي مخترع الصفر وواضع الارقام التي تعرف ألان ، وقضايا اخرى أيضا مثل أبن خلدون في نمط الحكم وعلاقة الدين بالسياسه ومسألة العدل ونظرية العمران .
ظهور رفاعة الطهطاوي بعد أنهيار الحضارة الاسلاميه في القرن السابع والثامن عشر ميلادي ، بدأ في صياغة البناء الفكري للامه واحياء ألامل في ألانبعاث بعد الركود واتساع الهوه مع أوروبا ،ورفاعة الطهطاوي يعد واحدا من دعاة التنوير في مصر بعد عودته من البعثة في فرنسا ووضع كتابه الانطباعي عن الحياة في فرنسا ( تخليص الابريز في تلخيص باريز) ثم عمل على أنشاء مدرسة لترجمة الكتب والطباعة وعمل على ترجمة الفلسفة والتاريخ الأوروبي ونصوص العلوم الحديثه وأسس اللبنة الاولى للصحافة العربيه في مصر .
بينما من أسهم مساهمه كبيرة في نهضة التعليم في مصر هو وطه حسين، عندما طالب التعليم للجيع ومجانية التعليم وصاحب مقولة التعليم كالماء الهواء ، وحاول جاهدا كسر الطوق والخروج الى افاق الفكر والتحليل الاشياء، وضع العقل منهج التفكير، حيث يقول في كتابه فصول النقد، أن التفكير ظاهرة أجتماعية لأ فرديه، بمعنى أن الفرد لا يفكر ولايقدر ولا يروى، ألا من حيث هو عضو من أعضاء الجماعة التي يعيش والتى يستحضرها في نفسه ، أستحضار ملحوظا او غير ملحوظ حين يفكر او يقرأ او يروى ،ألا أنه واجه عميد الادب العربي طه حسين الكثير من الاتهامات التي نالته، في مارس ١٩٢٧م تحت ضغط كبير شنها عليه مجموعة من الشيوخ المتعصبه في الأزهر الشريف، تصل الى حد اتهامه بالكفر والالحاد الصريح في فترة عرفت فيها المؤسسات الدينية رفضها لأي أفكار جديدة، مما جعلها تطالب بمصادرة كتابه الشهير في الشعر الجاهلي. عندما قام بنشر كتابه في الشعر الجاهلي . فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة والكثير من الآراء المعارضة له وهو أمر كان قد توقعه حيث قال في مقدمة كتابه . هذا نحوا من البحث عن تاريخ الشعر الجاهلي جديد لم يألفه الناس عندنا من قبل. وأكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه وبأن فريقا آخر سيزورون عنه ازورارا ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث أو بعبارة أصح أريد أن أقيده فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة. وليس سرا ما تتحدث به إلى أكثر من مائتين ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعا ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي . وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور. وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قوما وشق على آخرين فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة وزخر الأدب الجديد.