ان المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم الكثير من الأخطاء التي ارتكبها قادته في مسيرته السياسية، يظل كيانًا سياسيًا مؤثرًا وذا دور مهم في الساحة السياسية ومهم لشعب الجنوب. من هذا المنطلق، يصبح الحفاظ عليه ضرورة استراتيجية تضمن له الاستمرارية والفعالية في تحقيق أهدافه. لكن أصبح من الواضح أن هذا المجلس يحتاج إلى نوع من الإصلاحات الهيكلية لضمان استدامته وتطوير قدرته على التفاعل مع التحديات الراهنة والمستقبلية، فهو ملك الشعب وليس تلك القيادات التي اساءت اليه، ولا يوجد أي خطر خارجي في الوقت الرهن يتهدد الجنوب أكثر من خطر قيادات المجلس الفاسدة التي يجب محاكمتها.
من بين هذه الإصلاحات، يبرز أهمية التغيير على مستوى القيادة والهيكل الإداري للمجلس، من خلال إعادة تقييم آلية اتخاذ القرارات وتعزيز الشفافية والمحاسبة. وإلزام كافة قادة المجلس بتقديم كشف بالأموال التي يمتلكونها واثبات كيفية حصولهم عليها بما فيها الهبات والهدايا، هذا لا يعني بالضرورة الاستغناء عن القادة الحاليين، الذين ثبت تورطهم في عمليات فساد حتى قبل مجيئهم للمجلس، بل يجب محاسبتهم.
أيضًا، يتطلب الوضع الحالي للمجلس الانتقالي تعزيز الجهود لتوسيع قاعدة الدعم الشعبي في الجنوب. وبناء قاعدة شعبية واسعة وحرة لا تخضع للابتزاز الشخصي لقادة المجلس منفردين، فإن توسيع هذه القاعدة يشكل خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار السياسي وعامل ضبط لتحركات قادة المجلس.
ولا بد من التأكيد على تعزيز روح التعاون وتفعيل المبادئ الديمقراطية داخل المجلس ذاته، وضرورة تحسين الأداء الإداري للمجلس. فالتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الجنوب تتطلب إدارة فعالة للموارد، والتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية لتقديم الدعم اللازم في هذا المجال. كما يجب أن يتضمن التحول الهيكلي دمج كل التشكيلات العسكرية في الجنوب في مؤسسة جيش تخضع لقيادة واحدة ومؤسسة امن تخضع لقيادة واحدة، لضمان استقرار المناطق التي يسيطر عليها المجلس وعدم نشوب صراعات مسلحة داخلية بين الوحدات العسكرية.
وأخيرًا، يتعين على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يولي اهتمامًا أكبر لقضية بناء مؤسسات دولة حديثة، بحيث تصبح مؤسسات الدولة في الجنوب قوية وفعالة، قادرة على إدارة الشؤون اليومية للمواطنين بطرق منسجمة مع القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال استراتيجية تتضمن تطوير الأنظمة القضائية والتربوية، وتهيئة البنية التحتية السياسية والاقتصادية لتكون أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع متغيرات المستقبل.