آخر تحديث :الأربعاء-02 يوليو 2025-02:14ص

نحنُ الكلمة التي تُوجعهم أكثر من الرصاص

السبت - 01 مارس 2025 - الساعة 11:51 م
صهيب المياحي

بقلم: صهيب المياحي
- ارشيف الكاتب


وإن قيدوك، فلن يقيدوا الفكرة، وإن كبّلوك، فلن يُطفئوا وهج المعنى، وإن أحكموا عليك العتمة، فلن يطفئوا النور الذي يسري في دمك. هم واهمون، يظنون أن الحديد يقتل العزيمة، وأن السجون تخرس الأصوات، لكنهم لم يدركوا بعد أن الحرية ليست سلوكًا يُروض، ولا فكرة يمكن اقتلاعها كما تُقتلع الأعشاب الذابلة من التراب.


إنهم عالة على التاريخ، وجرحٌ متقيّح في جسد هذه الأرض، طفيليون يعتاشون على جهل القطيع، ويؤسّسون عروشهم فوق أرواح الجائعين. يتنفسون الكذب كما يتنفس الأحرار الهواء، يصنعون الخرافة كما يُصنع السلاح، ينطقون باسم الله فيما يسجدون لصنمٍ صنعوه بأيديهم، يخدّرون العقول بأوهام الاصطفاء فيما يعيشون على ما يقتاتونه من موائد اللصوص.


يبيعون العبودية على أنها ولاء، ويسمون القهر طاعة، ويمنحون الجهل قداسةً تُحرق كل من يتجرأ على التفكير. يحكمون بالكهنوت، باسم الله الذي لا يعرفونه، وباسم التاريخ الذي لم يقرؤوه، وباسم الأرض التي يسرقونها كما يسرق اللص متاع الهاربين.


لكنهم أضعف مما يبدون، هشّون كقلاع الرمل، مرتعشون أمام كلمة، مذعورون من صوت، مذبوحون كلما مرّت أمامهم فكرة ترفض أن تنحني. يظنون أن الطغيان قدرٌ لا يُكسر، وأن الظلام قانونٌ لا يُخترق، لكنهم لا يعرفون أن التاريخ ليس إلا قبرًا واسعًا للذين ظنوا أنهم خالدون.


نحن لا نحارب جماعة، بل نحارب وباءً تفشّى في نسيج هذه البلاد، نحارب الجهل حين يتدثر بالدين، والاستعباد حين يتزين بعمامةٍ سوداء. لن يحكمنا الحوثي، لن يسودنا من يلعق الأقدام ويتوهم البركة في رفات الموتى، لن ننحني لمن يرى في الكهنوت بابًا للسلطة، وفي السيف وسيلةً لإقناع من يرفض أن يكون عبدًا.


يقمعون رجلًا، فيولد ألف، يقتلون فكرة، فتُزهر في ألف عقل، يهدمون جدارًا، فيرتفع سورٌ من الأجساد الحرة. نحن الذين لن ننهزم، ولن نصمت، ولن نقبل أن يُكتب مستقبلنا بحبر أيديولوجياتهم السحيقة. نحن الكلمة التي تُوجعهم أكثر من الرصاص، والصوت الذي يلاحقهم كالكابوس، والنار التي لن تنطفئ حتى تحرق أصنامهم وتعيد لهذه الأرض نقاءها الأول.