علي عبد الكريم
رمتنا بدائها وانسلت، تبقّت ذيولها تفتك وتقتل ما تبقّى من جسد الكيان الوطني، فصار هزيلاً مفتّتاً ممزقاً، تعتلي رأسه أباطرة حرب ومصالح يتصارعون على ما تبقّى من جسد هزيل.
الطموح الوطني تلاشى بعيداً بين الفيافي والقفار، ببلدان المهجر وبلدان الجوار، سادة لا يهشّون ولا ينشّون، ولو حتى طائر الغسق إن فاجأهم في المنام… أحد عشر عاماً مرّت، والكوارث تنهال تباعاً، وأهل الحل والعقد – إن كانوا كذلك – لكنني لا أعتقد ذلك مطلقاً، إذ هم جماعات تسرب إليهم اليأس، فارتضوا البقاء داخل خيمة اللا وجود، تحت رعاية وتوصيات الممول والكفيل.
أحد عشر عاماً من الخراب والدمار، ولم تكن أحد عشر كوكباً تنشر الضياء والفرح في ربوع وطن مشلول، مصادَر بقرار قوى الحرب والاقتتال على ما تبقّى من ثروة ومناصب ومجالس، والآتي – للأسف الشديد – أسوأ وألعن. فها هي جزء من بلادنا قد أدخله “سيد الكهف” المحصّن في حرب ضروس مع “اليانكي” المتعطش للدماء… “اليانكي” يضرب بلادنا، كي يبعث برسائله للوليّ الفقيه، يدير اللعبة بأجساد اليمنيين.
يا لها من “ثالثة الأثافي” أصابت بلادنا اليمن، لا خير رأينا معها غير المزيد من التفتت والتفتيت شمالاً وجنوباً. ماذا نقول؟ انتهينا كوطن يمتلك سيادة وأرضاً وشعباً ينتظر الخلاص بعد أن طالت سنوات الانتظار.
ها نحن نرى السودان الشقيق يتعافى من لعبة الجنجويد، وتمويل صاحب المال، الممول هنا وهناك، وله في بلادنا إثم كبير.
بلانا الله بـ “سادة” – بين قوسين – و”وزعات” و”أحزاب” – بين مزدوجين – تعيش على الهامش، تبيع الوهم والوعود منذ سنوات، ما أثمرت غير الوعود الخاوية والابتسامات الصفراء، فقط يلوّحون بالعودة لوطن يحتضر في المناسبات، أجلّها إقامة صلوات الأعياد… إن كان ذلك كله من مخرجات “ثالثة الأثافي” التي رمانا بها الزمن الأكثر قسوة، لكنه ليس أكثر قسوة ممن ينظرون للناس تموت، للأرض تتمزق، للتاريخ يُعبث به، للجغرافيا الوطنية التي نعرفها يتم التلاعب بها… جُزُراً وموانئ وثروات، وسادة اللحظات القاتلة الذين تم توليدهم داخل أنابيب مصالح الاختبار، وفق نظرية “الأواني المستطرقة”، كلما ارتفع منسوب المشاعر والمواقف الوطنية، أعادوا التهوية وتغيير المياه داخل أسطوانات الأواني المستطرقة، والقوم أعلى وأسفل أنابيب الاختبار يلعبون لعبة “السبعة صاد”، ومرة لعبة “الثامنة”، وإن شاءت الأقدار، تتغير قواعد اللعبة بما يشتهي الممول والوزّان، مرة هنا ومرة هناك، من أماكن السكنى المريح أو جرى التواصل مع المقيمين تحت هلع الطلب ووفق ما تتطلبه ظروف السياسة والمصالح التي يشد خيوطها أباطرة كبار وأتباع طيعون.
نقول ونبارك للسودان… إزاحة “مقاول… الحُمير”… ولا عزاء لممول قد تعثّر حظه بدمار السودان، كما هو متعهّد بدمار يمننا العزيز حتى آخر رمق. فالجوهر واحد، وإن اختلفت التسميات بين “طهران” و”ظهران” و”مشيخات”… إنها مأساة “ثالثة الأثافي” التي رمانا بها الدهر.
فكانت الأولى: مأساة الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني.
وكانت الثانية: الانقلاب على جوهر وروح ثورة 26 سبتمبر 1962، لتعود بلادنا القهقرى وتتشرذم تحت غطاءات طائفية ومذهبية.
وثالثة الأثافي أتت مع إعلان قيام مجلس الأمراء والمشايخ والسلاطين، والمنظر الحزين لوداع ثورتي 14 أكتوبر و26 سبتمبر.
“ثالثة الأثافي” التي قصمت ظهر البعير… بل، إنها ثالثة الأثافي التي قصمت ظهر الوطن.
فمتى نفيق من لعبة سبات طال واستطال، تحت وسائد المبيت بدول الجوار، خارج حياض وطن يتمزق يومياً، ويضيع تحت مشاريع يعهدها مخرجون لا تهمهم مصلحة بلادنا، وتُنفذ من قبل من استطابوا اللعب داخل “لعبة الأمم”.
ومن لا يصدق، عليه العودة لقراءة كتاب لعبة الأمم الصادر منذ عقود مضت، وما تزال فيه حِكَمٌ وعِبَرٌ تفيد الباحث عن الحقيقة في قرن الفيل.