عرف البشر نظرية العقد الاجتماعي منذ قرون، وكان الأساس لقيام الدول منذ الآف السنين، وطوروا تلك العقود مع مرور السنين حتى وصلنا إلى تعدد انواع الإنظمة والدساتير والقوانين للدولة الحديثة، وإذا انخرط ذلك العقد فإنه يدخل البلد في فوضى وحروب وتمزق وصراعات للإستيلاء على السلطة بالقوة، وهذا ما حدث عندنا في اليمن بعد حرب 1994 فيما يخص الجنوب، وتلتها ثورة الشباب عام 2011.
كان يفترض أن المبادرة الخليجية ومانصت عليه من خطوات مزمنة، تنتهي بصياغة عقد إجتماعي جديد تتوافق عليه كل الأطراف في مؤتمر الحوار الوطني، ويقضي بقيام دولة جديدة تستمد شرعيتها من ذلك العقد الاجتماعي، لكن الحرب تفجرت قبل ولادة تلك الدولة وفي اللمسات الأخيرة من الإنتهاء من العقد الاجتماعي الذي يشرعن لها، وكانت حادثة خطف الأمين العام لمؤتمر الحوار د احمد بن مبارك مع مسودة مخرجات الحوار من قبل الحوثيين، رسالة واضحة منهم بأنهم غير قابلين به وأنهم مصممون على الإنقلاب وأختطاف الدولة وفرض سلطتهم المطلقة على اليمن بشكل عام.
كان يفترض أن يتم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني في المناطق المحررة لإظفاء الشرعية للسلطة الشرعية، بدلاً من إستمرارهم في الحكم بناءً على المبادرة الخليجية لكن هذا لم يحدث، ولم نعلم ما هو المانع الذي حال دون ذلك، ولم يستمروا طويلاً حتى ظهر لنا الإنتقالي كفصيل قوي ومدعوم بقوات عسكرية ممولة إقليمياً يتقاسم السلطة مع ما تبقى من السلطة الشرعية كأمر واقع، ويوقعون معه إتفاقيات تتناقض مع مخرجات الحوار الوطني، وهنا بدأت تظهر قضية حضرموت.
ولذلك أصبحت مخرجات الحوار الوطني غير قابلة للتنفيذ، كونها فقدت شرعيتها بعد نقضها من الأطراف التي وقعتها، وكذلك توقيع القوى السياسية على إتفاقيات أخرى تتناقض معها، وأصبحنا بحاجة إلى عقد إجتماعي جديد يحافظ على عدم تمزق اليمن والجنوب، ويفضي إلى قيام دولة تحفظ حقوق الجميع وتنهي حالة الحرب والفوضى، ويمنع الاستيلاء على السلطة بالقوة، وفرض أنظمة قمعية تعطي الحكام السلطة المطلقة، وما يحدث في حضرموت سيتكرر في المهرة وفي سقطرى وفي شبوة وفي محافظات أخرى، لا نتمنى أن نصل إليها، وأن تتم المعالجات في أسرع وقت، وعلى جميع الأطراف التي تمارس سلطات الأمر الواقع شمالاً وجنوباً إدراك هذا الأمر، كون الشرعية مرفوعة عنهم جميعاً، ومثلما يمارسون فرض سيطرتهم على أجزاء من البلد، من حق أبناء أي محافظة او منطقة أن يمارسون مثلما يمارسونه، ولا سبيل للخروج من هذا الوضع، إلا صياغة عقد إجتماعي جديد يضمن حقوق الجميع، وقد لا يكون متاح مستقبلاً إذا لم يتم الإسراع فيه.
احمد علي القفيش