آخر تحديث :الثلاثاء-06 مايو 2025-02:29ص

الفوضى .. حين تتحول الوظيفة الأمنية إلى سلوك انتقامي

الثلاثاء - 15 أبريل 2025 - الساعة 10:47 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


في كل الدول التي تسعى لبناء سلطة شرعية قائمة على القانون، يُعد تنفيذ العقوبات – سواءً كانت جنائية أو متصلة بالأمن العام – أحد أبرز مظاهر السيادة، وركيزة أساسية من ركائز بناء الثقة بين المجتمع والدولة. لكن حين تتحول السلطة التنفيذية إلى أداة انتقامية خارجة عن الإطار المؤسسي والقانوني، فإن ذلك لا يهدد السلم الاجتماعي فحسب، بل يضرب في عمق المفهوم الشرعي للدولة، ويشوّه جوهر الشريعة التي جاءت لحماية الإنسان وكرامته.

ما حدث مؤخرًا من تمثيل بجثة قتيل في مدينة زنجبار – أياً كانت خلفيته – ليس إلا تجليًا خطيرًا لحالة من الانفلات ،وهو ما يقتضي وقفة صريحة من كافة القوى الاجتماعية والمدنية والسياسية .


الفوضى.. انحراف في المفهوم والتطبيق

من المؤسف أن يُستخدم اسم الشريعة لتبرير ممارسات تتعارض معها في أصلها. الشريعة الإسلامية لم تُقم حدودها ولا عقوباتها إلا بعد تحقق شروط دقيقة وانتفاء شبهات، ومن خلال جهة واحدة مخوّلة بذلك: هي القضاء الشرعي العادل، بإسناد من أجهزة الدولة المعتمدة، لا من خلال أفراد أو كيانات مسلحة تفرض رؤيتها بمنطق الغلبة.

فإذا كان الإسلام قد نهى عن التمثيل بجثث الأعداء في ساحة الحرب – كما في وصية النبي ﷺ لأمراء الجيوش – فكيف يُعقل أن يُقبل هذا السلوك في قلب مدينة، أمام أعين الناس؟ بل بأي منطق يُعرض جسد إنسان – متهمًا كان أو مذنبًا – وكأنه غنيمة انتصار، بينما الشريعة تأمر بالستر، والعدل، والرحمة، والتحقيق، ودرء الحدود بالشبهات؟


لا أحد فوق القانون.. ولا أحد يطبقه دون ضوابط

ينبغي أن نؤكد بوضوح: لا أحد فوق القانون، ولا أحد مخوّل بتطبيقه خارج مؤسسات الدولة الشرعية. فكل من يملك سلاحًا أو منصبًا لا يحق له أن يتحول إلى قاضٍ وجلاد في آنٍ معًا. لأن هذا النهج لا يرسّخ الشريعة، بل يُسهم في تقويض بنيان الدولة، ويفتح الباب أمام منطق "شريعة الغاب"، حيث لا قانون إلا القوي، ولا حق إلا لمن يفرضه بالقوة.

إن استخدام الصفات الأمنية كغطاء لسلوكيات غير قانونية أو لا إنسانية، يُعد خيانة لجوهر الوظيفة الأمنية نفسها، التي من مسؤولياتها الأولى حفظ كرامة المواطن، لا إهانتها.


لسنا في موقع الدفاع عن أحد.. بل في موقف الدفاع عن الدولة وشرعية القانون.

ليس من الحكمة ولا من العدالة أن يُفهم هذا الاستنكار على أنه دفاع عن الإرهابيين أو الخارجين عن القانون، بل هو دفاع عن مبدأ راسخ: أن الدولة هي وحدها من تملك حق العقاب، وفق ضوابط الشريعة، وأحكام القانون، وآليات القضاء العادل.

فإذا تخلّت الدولة – أو من يمثلها – عن هذا الدور، وبدأت تُطبّق العقوبات بأسلوب الفوضى، فإننا أمام تفكيك فعلي للمجتمع، وتحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات تمزيق بدل الحماية، وهو ما لا يحقق الأمن، بل يُضاعف منسوب الغضب والاحتقان والتطرف.


التحاكم إلى الدولة وسيادة القانون هو العامل الحاسم في القضاء على الإرهاب والتطرف.

من واجبنا، ونحن نستحضر قواعد الشريعة ومقتضيات السياسة الشرعية، أن نُعيد التأكيد على أن:


• تنفيذ العقوبات مسؤولية قضائية خالصة، ولا يجوز التعدي على صلاحيات القضاء.

• الدولة المؤسسية وحدها هي التي تملك حق إقامة الحدود، بعد التثبت الشرعي والقانوني.

• كل سلوك تمثيلي بالجثث أو التشهير العلني يُعد مخالفة صريحة لروح الشريعة ومبادئ العدالة.

• استغلال الصفة الأمنية لتنفيذ انتقامات أو إرسال رسائل سياسية، هو تشويه لمفهوم الدولة ووصمة في جبين كل من يسكت عنها.


ختاما:

العدالة لا تحتاج إلى صور مروعة، ولا إلى شعارات متشنجة، ولا إلى جثث مصلوبة في الشوارع، بل تحتاج إلى دولة قوية، عادلة، حكيمة، تحتكم إلى الشرع والعقل والنظام والقانون.

الشريعة لا تُطبَّق بالفوضى، بل بالمؤسسات. والدين لا يُنصَر بالتمثيل، بل بالعدل. والدولة لا تُبنى بالانتقام، بل بالرحمة والإنصاف.

.......................................

✍️بقلم: [عبدالعزيز الحمزة]

الثلاثاء 15 ابريل 2025م