ضمن سلسلة مقالات: صرخة وعي: قراءة في استراتيجية التحفيز
بقلم: عبدالعزيز الحمزة
باحث سياسي
---
تمهيد:
في خضم العواصف التي تضرب اليمن سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا، تتجاوز الأزمة حدود الجبهات المسلحة لتصل إلى صراع عميق على الهوية والمصير.
يعود خطاب "الإمامة" في الشمال، و"السلطنات" في الجنوب، ليتسلل إلى الوعي الجمعي، لا بوصفه حنينًا بريئًا بل كأداة لإعادة تشكيل الحكم على أنقاض مشروع الدولة الوطنية.
في هذا المقال التحليلي، نعالج ، من منظور استراتيجي، جذور هذا الاستقطاب الخطير، ونستعرض بعمق تحديات الوعي اليمني في مواجهة مشاريع الحنين المسموم، في لحظة فارقة من تاريخ البلاد.
و السؤال اليوم ليس فقط من يحكم، بل بأي منطق نحكم اليمن؟
هل نعود إلى منطق "الحق الإلهي" و"السلطنة الوراثية"، أم نستكمل مسار الدولة المدنية التي بشّرت بها ثورتي سبتمبر وأكتوبر؟
هنا، لا يدور الحديث عن التاريخ كتأمل، بل كأداة صراع سياسي. فـ"الحنين إلى الماضي" لم يعد عاطفة محايدة، بل مشروعًا يستهدف إجهاض كل ما تبقى من روح الجمهورية.
---
استقطاب مزدوج: الإمامة في الشمال والسلطنات في الجنوب
ينبع التهديد الراهن من استقطاب سياسي مزدوج يعيد تقسيم اليمن إلى مربعين:
في الشمال، مشروع إعادة إنتاج الإمامة تحت لافتة "الولاية" و"الحق السلالي في الحكم".
وفي الجنوب، محاولات لإحياء سرديات السلطنة والمشيخات، بمرجعيات استعمارية لا تعترف بتحول المواطن إلى شريك في القرار.
كلا المشروعين يعيدان اليمن إلى ما قبل مفهوم الدولة، عبر إحياء هياكل ما قبل الوطنية، وإعادة تدوير خطاب الوصاية والامتيازات الطبقية والمناطقية.
---
الجمهورية كهوية جمعيّة لا تزال تقاوم
رغم هذا الانحدار، لا تزال الجمهورية، لا بوصفها نظامًا فقط بل كهوية وطنية مقاومة، حاضرة في الضمير الجمعي اليمني. لقد رسخت الثورتان الكبريان – سبتمبر وأكتوبر – مفهوم الحرية والمواطنة المتساوية، وزرعتا في وجدان الشعب قناعة بأن السيادة لا تُمنح لسلالة، ولا تُشترى في قصور السلاطين.
---
الحنين كأداة للهيمنة والاستبداد
ليس كل حنين بريئًا. ففي الحالة اليمنية، يتم تسويق الحنين كغطاء لعودة الاستبداد، مستخدمين شعارات "الهوية التاريخية" و"الخصوصية الثقافية" لإعادة إنتاج مشاريع السيطرة على حساب مفهوم الدولة.
إنها محاولة لإقناع اليمني بأن التبعية قدر، وأن الماضي القهري كان جنة مفقودة. لكن هذه الرواية تتجاهل أن من يترحم على "زمن الإمامة" عليه أن يترحم على طوابير الجوع، وعلى سجون الجهل، وعلى الحتمية المصنوعة لتكريس الطاعة.
---
معركة الجمهورية: معركة وعي الشعب
المعركة اليوم لم تعد فقط في الجبهات أو طاولات التفاوض. إنها معركة على وعي الشعب، على قدرته في استيعاب اللحظة، ومواجهتها بمشروع بديل متجذر في التاريخ وممتد نحو المستقبل.
إن إعادة تعريف الجمهورية ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة الردة التاريخية والانقسام الجغرافي.
الجمهورية لا تعني فقط رفض الإمام والسلطان، بل تعني ترسيخ دولة المواطنة، وإعادة بناء مؤسسات عادلة، تحمي التنوع وتحكم بالدستور والقانون الشرعي.
---
خاتمة: نحو مشروع وطني جامع لا رجعي ولا انقسامي
إن أخطر ما يواجه اليمن اليوم ليس الحرب فقط، بل القبول التدريجي بمشاريع الاستسلام للذاكرة المهزومة. لهذا، فإن الخطوة الأولى نحو إنقاذ الوطن، هي في تجديد مشروع الجمهورية، كإطار جامع تتلاقى فيه كل الهويات ضمن دولة القانون والعدالة.
لن يعود اليمن إلى الكهف، ولن يُختصر تاريخه في سردية سيد أو سلطان.
إنه شعب علّم العالم كيف ينهض رغم الخيبات، وكيف يحمي هويته رغم الحصار والجوع.
فلتُرفع رايات الشعب، لا رايات السادة، ولتُكتب الملاحم من جديد، لا بمداد الخرافة، بل بنور الوعي.
—----
طابت جمعتكم ايها الأحبة .
الجمعة ١٨ ابريل ٢٠٢٥م