آخر تحديث :الأحد-11 مايو 2025-03:14م

مع التغيرات في الأسواق العالمية، إلى متى أوجاع الواقع اليمني باقية؟

السبت - 19 أبريل 2025 - الساعة 01:20 م
صابر الجرادي

بقلم: صابر الجرادي
- ارشيف الكاتب


في عالم الاقتصاد الحديث، لم تعد الثروات تُقاس بما هو ملموس من أصول أو إنتاج فعلي، بل باتت مرتبطة بتوقعات السوق، وتقديرات المحللين، ومستويات الثقة في كيانات مالية ضخمة قد لا تملك فعليًا ما تدّعي امتلاكه. كلمة من ترامب أو شي جين بينغ، رئيس تنفيذي لشركة ما،أو تغيير بسيط في سعر الفائدة، أو حتى تغريدة، قد تفضي إلى تقلبات هائلة في قيم الشركات والأسواق العالمية وتؤثر على الجميع. هذه الثروات التي نسمع عنها ليست إلا انعكاسات ذهنية لتصورات مستقبلية، لا ترتكز على واقع مادي متين، في الشأن العالمي.


لكن لِنترك العالم للحظة، ونعيد الكاميرا إلى ما نعيشه في اليمن، في مناطق الشرعية على وجه الخصوص. أليس حال الريال اليمني نموذجًا صارخًا لهذا الواقع المقلوب؟ حيث نجد العملة المحلية تتأرجح يوميًا أمام العملات الأجنبية، والتقلبات في أسعار الصرف أصبحت واقعًا يوميًا لا يُفاجأ به أحد. ما بالك بعدم صرف المرتبات وهي وإن صرفت لانجد لها قيمة فعلية تكفي لشراء حاجيات اسبوع. بالأمس كانت تُصرف الرواتب بقيمة تكفي لشراء الحاجات الأساسية والكماليات، واليوم لا تكفي لشراء الحاجيات الأساسية، فقدت قيمتها الشرائية، دون أن يتغير شيء من الواقع الإنتاجي الذي هو شبه معدوم..

أين الثروات الحقيقية في الاقتصاد اليمني؟ وأين الأصول التي يمكن الركون إليها وقت الأزمات؟ بل، هل لدينا اقتصاد فعلي قائم على الإنتاج والتصدير، أم أننا عالقون في دوامة من التداولات المالية والاعتماد على المعونات والتحويلات الخارجية؟ والتي لولاها لجاع بقية الشعب..


ما يحدث في اليمن، وبالذات في مناطق الشرعية، يعكس هشاشة اقتصادية، وعدم أهلية إدارية وزارية، بل إنها لا تختلف كثيرًا عن هشاشة الأسواق العالمية التي تهتز لتصريحات أو مؤشرات، لكنها هنا تتجلى بوجع أكبر، لأننا نعيش آثارها في لقمة العيش والدواء والتعليم. فكلما هبط الريال، ارتفعت الأسعار، وتآكلت القدرة الشرائية، وتفاقمت معاناة الناس.

والتساؤل الذي يُطرح كل مرة إلى متى؟ وهل تعيش الحكومة بمعزل عن الشعب، وهي باقية في منصبها والوضع كل يوم يزداد سوءٍ

هل يمكن أن نظل نُخضع حياتنا اليومية لمعادلات لا نتحكم بها؟ هل سنظل ننتظر المنح والهبات والودائع الخليجية لتصحيح مسار الصرف، والتي منذ أو. وديعة لم تٌحدث أي فرقا.. إلى متى سوف نبقى دون أن نبني أساسًا اقتصاديًا متينًا يستند إلى الإنتاج والزراعة والصناعة المحلية؟ وهل يعقل أن تظل دولة بكاملها تدور في فلك سوق سوداء للعملة، تتحكم في مصير الملايين؟


الواقع يفرض علينا أن نعيد التفكير في مفاهيمنا الاقتصادية، وأن ندرك أن الثروة الحقيقية لا تُختزل في أرقام البورصة أو الودائع المؤقتة، بل في ما ننتجه بأيدينا، ونستثمره في أرضنا، ونبنيه بأفكارنا. فإلى متى سنظل أسرى للتجريدات المالية، والأسواق الهشة، وسياسات نقدية بلا استقرار؟

اليمن لا تنقصها الإمكانيات، بل تنقصها الإرادة والسياسات الرشيدة، والخطط المبنية على الواقع لا على الأوهام. تنقصها إدارات وطنية تديرها، وتنقض ما تبقى، فهل آن الأوان لنعيد رسم أولوياتنا الاقتصادية، ونعيد للريال قيمته، ولليمني كرامته؟