آخر تحديث :الجمعة-09 مايو 2025-04:11م

النواطق في سورة النمل

الثلاثاء - 22 أبريل 2025 - الساعة 04:18 م
محمد ناصر العاقل

بقلم: محمد ناصر العاقل
- ارشيف الكاتب


اجتمع في سورة النمل الحديث عما تفضل الله به على النبيين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام وخص من بين تلك الفضائل أن علم سليمان لغة الطير والنمل وقد ورد ذلك مجملا قبل التفصيل في قوله تعالى " *وقال يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين " ثم فصل بعد الإجمال في الموضع الأول قوله تعالى " *قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنَّكم سليمان وجنوده وهو لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين* " وسنلاحظ أن في حديث النملة لأخواتها من النمل فيه خصوصية حيث كان مقتصرا على النمل كأمة تجمعها مصلحة مشتركة أشبه ما يسمى بالمصالح القومية والوطنية

أما في الموضع الثاني : وهو حديث الهدهد فهو أمر عام من أمور المملكة ومن أهداف النبي الملك سليمان عليه السلام وهو دعوة الخلق إلى الإسلام بمعناه العام وتوحيد الله ومتابعة سليمان في طاعة الله قال تعالى عن الهدهد " *قال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون* " وفي كلٍ من حديث النملة والهدهد يتبين أنهم قد أخبروا عن علم تام بما أخبروا به وإن كانت النملة محذرة والهدهد محرضا لكننا نلحظ الدقة في قول النملة " *لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* " فهي تنفي عنهم قصد الفساد وتعمد الخطأ وهذا لا يكون إلا عن علم كافٍ بما عليه أمر سليمان

وأما الهدهد فقد قال " *أحطت بما تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين* " وبعد الاختبار والتأكد من صحة خبره وجد كذلك ، والأمر الثاني : أنهم قد نصحوا وأخلصوا في النصيحة فالنملة نادت بقولها " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون" فنادت ثم أمرت ثم نهت ثم احترزت وهذا فيه من البلاغة والإبلاغ ما تحار فيه العقول ! وأما الهدهد فقد عرف أن من ما واجبه نصيحة سليمان بوجود مملكة وأمة لا تعبد الله وتعبد الشمس من دون الله ليقوم سليمان بما يجب عليه في ذلك وأما الأمر الثالث : حسن التعبير والبيان وقد مر معنا بما فيه الكفاية

فهذه الكائنات الحية التي لا تنطق في العادة حديثا يفهمه الناس عندما نطقت كما أخبر الله عنها لم تنطق إلا بالحق من النملة التي تدب على الأرض إلى الهدهد الطائر في السماء

أما الناطق الثالث والأخير في السورة فهو الدابة التي تظهر في آخر الزمان وهي من علامات الساعة الكبرى قال الله تعالى " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " ولعل في ضم ذكرها في السورة دليل الوحدة الموضوعية في ذكر نطق ما لم ينطق في العادة من الحيوانات البهيمة والله أعلم وهو الموفق للصواب


محمد العاقل