آخر تحديث :الثلاثاء-06 مايو 2025-02:29ص

الجمهورية... إرادة شعب لا تركة عائلة

الأربعاء - 23 أبريل 2025 - الساعة 11:59 ص
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب



((ضمن سلسلة مقالات: صرخة وعي: قراءة في استراتيجية التحفيز))


قرأتُ مؤخرًا مقال الأستاذ عبدالله الجفري الذي حاول فيه أن يستنطق الماضي ليبني من خلاله موقفًا حاضرًا يتكئ فيه على امتداح نظم الحكم الإمامي والسلطاني، في مقابل تشكيكه في القيمة الوطنية والنظرية السياسية للجمهورية. ولئن كان من حق الكاتب أن يُبدي رأيه ويقلب صفحات التاريخ كما يشاء، فإن من واجبنا أن نضع القارئ أمام الحقيقة الكاملة، لا أن نتركه أسيرًا لانتقائيةٍ مجتزأة قد تُضلل في لحظة اختطاف وطني.


لقد وقع الأستاذ الجفري –عن قصد أو دون قصد– في خلطٍ جوهري بين إخفاقات تجربة سياسية معينة شهدت تعثرًا في مسارها الجمهوري نتيجةً لغياب الحكمة أو ضغوط الواقع، وبين بنية الجمهورية ذاتها كنظامٍ قائمٍ على إرادة شعب، وليس كيانًا متوارثًا كتركة عائلية، أو حكرًا على سلالة مقدسة. فشتّان بين جمهوريات أخفقت لأنها لم تكتمل شروطها، وبين نظم قامت أصلاً على وهم التفويض الإلهي والحق الوراثي باسم السماء.


الجمهورية اليمنية –بما تمثّله من قيمة دستورية ومشروع وطني– ليست مناهضة للإسلام، كما يروّج البعض، بل دستورها ينص صراحةً في مادته الثالثة على أن "الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات". ولم تكن الجمهورية خصمًا لهوية اليمن الحضارية والدينية، بل كانت –ولا تزال– محاولة متقدمة لترسيخ العدالة والشورى والمواطنة في ظل قيم الإسلام، لا بديلاً عنها.


كما لم يكن الإنصاف حليف الكاتب حين مجّد عهد الإمام يحيى وسلالته، متجاهلًا أن ذلك العهد الاستبدادي كان يقوم على حصر الدين والوطن في شخص الإمام، وأنه اعتبر نفسه ظلّ الله في الأرض، لا يُسأل عما يفعل. وكان يزج بالعلماء والمصلحين في السجون، ويغلق أبواب الاجتهاد، ويُدير البلاد بمنطق الرعية والطاعة العمياء، لا بمنطق الأمة والشورى.


ولم يكن المشهد في جنوب اليمن أفضل حالًا، إذ يُغفل المقال تمامًا حقيقة أن السلطنات والمشيخات التي يتغنّى بها كانت نتيجة لتفتيت المستعمر البريطاني للجنوب إلى أكثر من ٢٣ كيانًا هشًا، موزّعة الولاء، متناحرة فيما بينها، وبعضها لا يملك من أمره إلا ما تسمح به إدارة الاحتلال. فهل يجوز لنا اليوم أن نقدّم هذا النموذج المتشرذم كبديل حضاري للجمهورية؟!


اللحظة الفارقة... وضرورة استعادة اللحمة الوطنية


وفي هذه اللحظة التاريخية الحرجة، حيث يُسلب وطننا من بين أيدينا، وتُنتهك سيادته بسبب الانقلاب الحوثي المدجج بادعاء "الحق الإلهي"، وتتسلل في ذات الوقت أصوات تُروّج لعودة السلطنات والمشيخات بعباءات جديدة، واطماع إقليمية ودولية، تغدو استعادة اللحمة الوطنية ضرورة لا تحتمل التأجيل. فاليمن لا يمكن أن يُستعاد مجده ولا يُصان استقلاله إلا حين يتجاوز أبناؤه كل مشاريع التمزق، ويجتمعون على مشروع جامع يعيد الاعتبار للجمهورية كإطار وطني للعدالة، والمواطنة، والسيادة.


إن وحدة الصف الجمهوري الوطني، هي صمام الأمان الوحيد في مواجهة ما يُراد لوطننا من تفكيك ناعم أو استبداد مغلّف بالشعارات. وهي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع، نخبةً وشعبًا، ليكون صوت اليمنيين واحدًا في وجه كل المشاريع الطامحة لإعادتهم إلى الوراء.


وفي الختام، لسنا في مقام الإنكار لسلبيات الماضي، لكننا نرفض إعادة تشكيل المستقبل بأدوات ذلك الماضي، لا سيما حين تكون مغلّفة بخطابٍ عاطفي يتجاهل حقائق السياسة والدين والتاريخ. فالجمهورية، رغم كل ما اعترى مسيرتها، تظل الأفق الانسب القابل للتطور والتصحيح، لأنها من الشعب وإلى الشعب... أما غيرها، فقد حكم، ثم رحل... لأنه لم يكن من الناس، ولا إليهم.

---


دمتم بخير ايها الأحبة

الاربعاء ٢٣ ابريل ٢٠٢٥م