واحدٌ وثلاثون عاماً من الانتظار: أين الدولة الجنوبية؟
منذ أكثر من ثلاثة عقود، يعيش الجنوبيون حلماً مؤجلاً، تحوّل إلى كابوس متواصل من الألم والتعب والمعاناة. عشر سنوات مرت على الحرب، وثماني سنوات منذ انطلاق الحراك الجنوبي قبل اندلاعها، وثلاث عشرة سنة منذ حرب 1994 وحتى بروز الحراك كحركة مطلبية. محصّلة هذه السنوات جميعها: واحدٌ وثلاثون عاماً من الانتظار المرهق لدولة جنوبية تُعيد للشعب كرامته وتمنحه الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
في هذا المسار الطويل، خسر الناس أعمارهم، تمزّقت أحلامهم، وتبددت طموحاتهم تحت وطأة قيادات عجزت عن إدارة المعركة السياسية بذكاء وحنكة. تلك القيادات لم تُجِد فهم الواقع الدولي ولم تضع مصالح القوى الكبرى في الحسبان، ولم تُدرك أن بناء الدولة يحتاج إلى قراءة أعمق للواقع، وتحالفات أذكى، وإرادة تتجاوز المصالح الذاتية.
للأسف، اكتفت القيادات بالدعوات المتكررة للاحتشاد، حتى صار "الاحتشاد" هو الرد الوحيد لكل أزمة، والوسيلة الوحيدة للتعبير، بينما يتغير كل شيء من حولنا. سقط النظام في صنعاء الذي خرجنا ضده منذ عام 2007، وسيطر الحوثي على الشمال، ونحن لا نزال نردد نفس الشعارات ونمضي في نفس الدائرة المغلقة.
الشعب الجنوبي اليوم يئن تحت وطأة الانهيار المعيشي، والإحباط السياسي، وفقدان الأمل. وما يزيد الأمر سوءاً هو انقسام الرؤية الجنوبية بشأن المستقبل: بين من يدعو للانفصال الكامل، وآخر يطالب بفك الارتباط، وفريق يريد العودة إلى ما قبل 1990، وآخرون يحنّون لما قبل 1967. وبين هذا وذاك، ظهرت مبادرات تقترح تأسيس دولة جديدة تماماً باسم وهوية مختلفين.
ولكن، إلى متى سنظل نراوح مكاننا؟
أين القرار الحاسم؟ أين المشروع الوطني الجنوبي الحقيقي؟
إن كان هناك صدق في النوايا، فليُعلن القادة موقفهم الواضح قبل أن ينقرض ما تبقّى من هذا الشعب الذي أنهكته السنوات والوعود المؤجلة.
الجنوب بحاجة إلى قيادة جديدة، إلى وعيٍ سياسي ناضج، إلى مشروع متكامل لا يقوم على الحشود، بل على الفعل السياسي الذكي والتفاوضي والدولي.
فمن لا يتعلّم من التاريخ، يُعيد مأساته.
احمد السخياني