بقلم: موسى الربيدي ]
لم يكن شعب الجنوب يومًا سببًا في أزماته المتكررة، بل كان – ولا يزال – الضحية الأولى لصراعات القيادات وخيباتها المتوالية. فمنذ فجر الاستقلال، وجد الجنوبيون أنفسهم أمام نُخب سياسية عاجزة، لم تخرج من عباءة المناطقية والشللية، ولم تمتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل كرّست الانقسام والحقد والتصفية، حتى صار التاريخ السياسي للجنوب مليئًا بالخيانة، والانقلابات، وتهميش الشرفاء.
لقد مر الجنوب بمحطات دامية، بدأت بإقصاء قادة الثورة والاستقلال كقحطان الشعبي وسالمين، واستمرت بتصفية الكفاءات الوطنية، إما بالتهميش أو الإبعاد أو حتى الاغتيال. وحين جاءت الوحدة اليمنية، لم تكن خيارًا شعبيًا نابعًا من إرادة حرة، بل نتيجة مباشرة لفشل تلك القيادات في بناء دولة قادرة على الصمود.
اليوم، وبعد عقود من النضال السلمي الذي رفع رايات الحرية والكرامة، يتفاجأ الجنوبيون بأن القوى التي تتصدر المشهد، لا تمثلهم تمثيلًا حقيقيًا، بل هي امتداد لتجارب فاشلة، تسللت من خلف الكواليس ومن دهاليز المخابرات، وركبت موجة الحراك الجنوبي دون أن تحمل من قضيته شيئًا. فالمجلس الانتقالي، الذي يُقدَّم على أنه حامل القضية الجنوبية، لم يكن إلا إفرازًا لصراعات ما وراء الحدود، واختراقًا استخباراتيًا هدفه إفراغ الحراك من مضمونه.
لقد تحوّلت الشعارات النبيلة، من نضال سلمي وحقوقي، إلى خطابات تحريضية مناطقية، تُقصي الآخر وتزرع الكراهية. وهو ما يُنذر بخطر كبير على مستقبل الجنوب، ليس فقط سياسيًا، بل اجتماعيًا وأخلاقيًا أيضًا.
إن مسؤولية ما يحدث اليوم لا تقع على عاتق الشعب، بل على عاتق تلك القيادات التي فشلت في إدارة الجنوب، وفشلت حتى في إدارة بيت صغير، لكنها ما زالت تتصدر المشهد وتعبث بمصير ملايين.
إن الجنوب لا يحتاج إلى مزيد من الشعارات، بل إلى مراجعة شاملة وجريئة للتجربة السياسية بكل ما فيها من خيبات. فشعب الجنوب يستحق قيادات تؤمن به، لا تتآمر عليه؛ قيادات تحمل مشروع دولة، لا مشروع انتقام.