تواجه الحكومة الشرعية في اليمن صراعاً داخلياً يتجاوز مظاهره السطحية من تغييرات إدارية أو تعديلات وزارية. الى صراع حقيقي يتمحور حول من يملك قرار إدارة الدولة: مشروع وطني يسعى لبناء مؤسسات فاعلة واستعادة السيادة، أم منظومة فساد تحمي مصالحها بشراسة وتعيد إنتاج الفوضى تحت رعاية داخلية وخارجية.
الفساد البنيوي: ما بعد الحرب أكبر من الحرب
لم تعد الإشكالية في اليمن تقتصر على الحرب واستمرارها وحالة اللا حرب واللا سلم والانقسام الجغرافي والسياسي، بل تجاوزتها إلى حالة من الفساد البنيوي، الذي تغلغل في أجهزة الدولة الشرعية نفسها. أصبح القرار الحكومي خاضعاً لتجاذبات مراكز النفوذ المحلية المدعومة من أطراف إقليمية، تسعى لتقاسم النفوذ والسيطرة على الموارد دون حسيب أو رقيب أو مراعاة للسيادة الوطنية.
بن مبارك... محاولة تصحيح في زمن الفوضى
في هذا السياق، جاء الدكتور أحمد عوض بن مبارك إلى رئاسة الحكومة حاملاً معه محاولة – قد لا تكون مثالية – لتصحيح المسار. لم يكن مشروعه ثورياً، لكنه كان صادماً لمن اعتادوا على استنزاف موارد الدولة دون مساءلة. سعى الرجل إلى ضبط الأداء الحكومي، وتفعيل مؤسسات الدولة، وتقييد العبث بالمال العام، وهو ما وضعه في مرمى نيران تحالفات الفساد.
الموارد الاقتصادية... ملفات مُعقدة في بيئة هشّة
واحدة من الإشكاليات المركزية التي واجهت الحكومة تمثلت في ملف الموارد الاقتصادية، الذي بات يُدار في بيئة سياسية هشة ومفتوحة على التأثيرات الخارجية. لم يعد القرار في هذا المجال محصوراً في مؤسسات الدولة فحسب، بل أضحى خاضعاً لشبكة مصالح معقدة، تتداخل فيها المصالح التجارية والاستثمارية مع حسابات إقليمية. وهذا ما صعّب من قدرة الحكومة على فرض أولوياتها الوطنية، خاصة في ملفات مثل الموانئ والمناطق الحرة ومشاريع الطاقة، وملف النفط والغاز.
إزاحة بن مبارك... انتصار الفساد؟
اذا تم إزاحة بن مبارك فهو انتصار للفساد ،حيث لم يكن طلب الإقالة مجرد خطوة إدارية، بل رسالة سياسية واضحة بأن الاقتراب من "خطوط الفساد الحمراء" ممنوع. لقد أصبح التخلص منه ضرورياً لتحالف النفوذ الذي بات يتضرر من محاولات ضبط الفوضى.
المؤسف أن هذا القرار أصبح وشيكا، وهو مطلب لبعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي من المفترض أن يمثل أعلى سلطة وطنية، لكنه – وفق مؤشرات عديدة – بات منقسماً بين قوى إصلاحية مهمشة، وأخرى توفر غطاءً للفساد.
مشروع الدولة في مواجهة مشروع الفوضى
الصراع في اليمن اليوم لا يدور حول المناصب أو الأشخاص، بل هو معركة بين رؤيتين: الأولى تريد هزيمة الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة مستقلة القرار، مؤسساتها فاعلة وخاضعة للمساءلة؛ والثانية تكرّس الفوضى بوصفها ضمانة لاستمرار النفوذ والهيمنة واستمرار حالة الانقسام والحرب . وبين هاتين الرؤيتين، يقف اليمن على مفترق طرق خطير.
خاتمة: ماذا بعد؟
إذا لم تنتصر إرادة الإصلاح، فإن ما تبقى من الدولة اليمنية سيكون مهدداً بالذوبان الكامل في مستنقع الفساد والتبعية. المطلوب اليوم ليس مجرد تغيير أفراد، بل استعادة القرار الوطني، ووضع حد لهيمنة القوى الطفيلية، وإعادة تعريف العلاقة مع الأطراف الإقليمية وفق منطق الندية والمصالح المشتركة، لا التبعية العمياء والانطلاق نحو هزيمة الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة الوطنية اليمنية الآمنة والمستقرة .
---
إعداد: عبدالعزيز الحمزة – باحث سياسي
الخميس ١ مايو ٢٠٢٥م