المقال الثاني عشر: معركة وطن تتقاطع فيها غزة وصنعاء- قراءة تحليلية للمشهد اليمني [بين نيران العدوان وخنجر الانقلاب]
(ضمن سلسلة مقالات: صرخة وعي: قراءة في استراتيجية التحفيز)
……….
في هذا العالم المختلّ الذي تتحكم فيه القوة العمياء، بات كل شعب يرفع صوته نصرةً لفلسطين هدفًا لصواريخ الاحتلال الإsرائيلي. هكذا تلقّى اليمنيون رسالة الموت حين تساقطت الغارات الجوية على منشآتهم الحيوية، لا تطال الحوثي في جباله، بل تضرب عصب الحياة اليومية للناس: الموانئ، المطارات، الكهرباء، المصانع. استُهدفت بنية اليمن لا لأنها تشكل خطرًا عسكريًا، بل لأنها تُمثّل شعبًا ما يزال يرى في فلسطين قضيته المركزية، وفي غزة جرحه المفتوح.
هذا القصف لم يكن سوى عقوبة جماعية لموقف شعبي منحاز للحق الفلسطيني، عبّر عنه اليمنيون رغم محنتهم الطويلة. وفي ذهن المحتل الsهيوني، لم يكن الحوثي هو الهدف، بل الشارع اليمني الذي ظل وفيًّا لعروبته، عصيًّا على التدجين، حرًا في ضميره.
العدوان الsهيوني: استباحة للسيادة وتعرية للمعايير الدولية
ما أقدمت عليه إsرائيل من ضربات جوية على الأراضي اليمنية يُمثّل انتهاكًا صارخًا لسيادة بلد مستقل، وخرقًا فجًا لكل القوانين والمواثيق الدولية. قصف منشآت مدنية كميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات الكهرباء، ومصانع حيوية، لا يمكن تفسيره إلا كإرهاب دولة يستخدم أدواته العسكرية لإخضاع الشعوب وإخراس المواقف.
هذه ليست ضربات استباقية ولا دفاعية، بل رسائل دموية موجهة ضد مَن اختار أن يقف مع الحق. إنها محاولة لإعادة صياغة ميزان الردع في المنطقة، عبر معاقبة الشعوب لا الميليشيات.
اليمن وغزة: وحدة الدم والمصير
من بين الأنقاض، ما زال الشعب اليمني يرفع علم فلسطين. لم يُغْوِه الجوع عن التضامن، ولم تُخرِسه الحرب عن قول كلمة الحق. غزة بالنسبة لليمني ليست عنوانًا بعيدًا، بل رمزًا لكفاحه الذاتي ضد الظلم والاستلاب.
وفي مقابل الحصار في غزة، هناك تجويع ممنهج في اليمن. في غزة شهداء من أجل الحرية، وفي اليمن مختطفون قضوا في السجون، وأسرٌ دُمرت منازلها على مرأى من العالم. القضية واحدة: نضال الشعوب من أجل استعادة حقها في الحياة والكرامة.
هذا التلاحم الشعبي لا تصنعه السياسة، بل التاريخ، والعقيدة، والمصير المشترك. ومن الظلم أن يُحمّل اليمنيون ثمن انحيازهم لقضيتهم المقدسة.
الانقلاب الحوثي: السبب الاول للأوضاع الكارثية
إن الكارثة لا تكتمل إلا بوجود الداخل المفكك. فالميليشيا الحوثية، منذ انقلابها في 2014، لم تكن يومًا مشروع دولة، بل أداة تفكيك للدولة والمجتمع. حوّلت مقدرات البلاد إلى أدوات حرب، والمواطنين إلى رهائن في معاركها العبثية. مارست القمع، وصادرت الحريات، وهجّرت، وجوّعت، وخطفت.
هي من حوّلت البنية التحتية إلى أهداف عسكرية حين زجّت بها في أجندة الحرب، وجعلت من اليمن ساحة مفتوحة لكل أشكال التدخل الخارجي.
إن العدوان الsهيوني لم يكن ليجد طريقه إلى اليمن لولا الفراغ السيادي الذي أحدثه الحوثي، والانكشاف الأمني الذي استدعته سياسته الطائشة، وتحالفه مع إيران في معركة لا تخدم اليمن ولا فلسطين، بل تقوض كليهما.
استعادة الدولة: ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل
الشرعية اليمنية اليوم أمام اختبار وجودي، فاستعادة الدولة لم تعد خياراً سياسيًا، بل مسألة بقاء لشعب يُستهدف من الخارج ويُسحق من الداخل. مطلوب من مجلس القيادة الرئاسي إعادة تموضع شامل، يضع استعادة المؤسسات على رأس الأولويات، ويخاطب الداخل بلغة تتجاوز الخطاب التقليدي، نحو مشروع وطني جامع يليق بتضحيات الناس.
كما أن التحالفات الإقليمية والدولية مطالبة بأن تدرك أن أمن اليمن واستقراره ليس منة، بل حق أصيل، وأساسٌ لاستقرار المنطقة برمّتها.
حقيقة الأمر:
ما يجري في اليمن ليس مجرد فصول حرب، بل محاولة لكسر شعب أراد أن يبقى عربيًّا مسلماً في زمن الاصطفافات المشبوهة. ومن المفارقة أن يُقصف اليمن لأنه قال: "نحن مع فلسطين"، ويُخنق من الداخل لأنه قال: "نريد وطنًا لا سلاحًا فوق الدولة".
لكن رغم كل هذا، اليمني لا يزال متمسكًا بخيط الكرامة. يُحيّي الشهداء في غزة، ويبحث عن بصيص ضوء في نفق صنعاء، ويؤمن بأن المعركة واحدة، مهما اختلفت الجغرافيا. معركة ضد القمع، والخذلان، والاستبداد، والاحتلال، في آنٍ معًا.
وهذه الإرادة، وحدها، هي التي ستكتب نهاية المأساة، وبداية الوطن.
---
✍️ عبدالعزيز الحمزة
الاربعاء ٧ مايو ٢٠٢٥م