في كل مرة يعلو فيها الصوت الجنوبي المقهور مطالبًا بالخدمات الأساسية، بالكرامة، بالعدالة، يأتيه الرد من المجلس الانتقالي بصيغة مختلفة: تعيينات، مناصب، توزيع حصص على المقربين، وتوسيع رقعة الهيمنة الجهوية على ما تبقى من فتات الدولة، كأنهم في سباق مع الزمن لحجز المقاعد قبل أن تُطفأ الأنوار.
الصحافي علي منصور مقراط، في مقاله المنشور مؤخرًا، وجّه نقدًا بالغًا للمجلس الانتقالي، نقد لا يمكن إلا أن نصفه بالواقعي والمؤلم. لم يعد الانتقالي ذلك الكيان الذي نشأ من رحم الحلم الجنوبي، بل بات مجرد ورقة من أوراق سلطة الأمر الواقع، يلهث خلف المكاسب الضيقة، ويمارس الإقصاء الممنهج ضد أبناء محافظات ومناطق قدمت أغلى التضحيات في سبيل قضية الجنوب. عدن، أبين، ردفان، الحواشب، تبن، ويافع… أسماء لم تعد تجد لها صدى في مكاتب التعيينات أو دهاليز القرار.
تعيينات نواب الوزراء الأخيرة كشفت المستور. مناطقية مفضوحة، واستبعاد متعمد للكفاءات، وكأن التوزيع يتم وفق دفتر عائلي، لا استحقاق وطني. ما يحدث لم يعد مجرد اختلال في الأولويات، بل سقوط في وحل الفساد السياسي والإداري، وتخلي صريح عن قضية الجنوب لصالح كرسي هش فوق رمال متحركة.
الانتقالي، الذي يملك ترسانة إعلامية ممولة بعملة صعبة، لم يجد بين جيوشه من يقول له “كفى”. إعلاميّوه لا يؤمنون بما يكتبون، وصحافيّوه يسبّحون بحمده وهم يتقاضون أجورهم في صمت، تاركين الواقع الجنوبي يتداعى، والألم يتعمق، والشعب يُجلد كل يوم بسياط الشعارات الزائفة.
ثمان سنوات مرّت على إعلان عدن التاريخي، ولم يقترب الجنوب من استعادة دولته، بل اقترب الانتقالي أكثر من أروقة السلطة اليمنية، يحكم ضمن ما يسميه خصمه، ويتحدث بخطاب المعارضة، يبرر فشله كأنه لا يمتلك القرار، رغم أنه استحوذ عليه بالكامل.
المؤسف في المشهد، أن القضية الجنوبية اليوم تُفرغ من مضمونها على يد أبنائها، وتُختزل في بيانات احتفالية، وصور رسمية، وامتيازات للصفوة، بينما الجنوب الذي حلم بالدولة، بات دولة من خيبات.
ختامًا، لعل السؤال الذي طرحه مقراط هو الأخطر: إلى متى يصبر الشعب؟ كم من الوقت يُمنح للمجلس ليصحى من سكْرَة الحكم، ويعود إلى وعيه الوطني؟ الإجابة ليست لدى القيادة، بل لدى الناس الذين أوكلوا إليهم الأمانة، فإما أن تُستعاد إرادة الشعب، أو يُكتب على الجنوب أن يبدل مستبدًا بآخر، وكلهم في الكرسي سواء.
اللواء الركن : سعيد الحريري