من راية تحرر إلى أداة تزييف للواقع
لا يُعدّ العلم مجرد قطعة قماش تُرفع في الساحات، بل هو راية لها جذور في الذاكرة الجمعية، يُرمز به إلى سيادة وطن وتضحيات شعب وهوية أمة. علم دولة الجنوب – الذي ارتفع خفاقًا فوق سماء عدن وحضرموت والمهرة ولحج والضالع – كان يومًا ما رمزًا لنضالٍ حقيقي ودولةٍ ذات مؤسسات مستقلة، لكنه اليوم، وبكل أسف، يُساء استخدامه بشكل فجّ ومؤلم.
من رمز للكرامة… إلى ورقة سياسية
أصبح علم الجنوب اليوم أداة تُرفع في غير موضعها، يتصدر المشهد في فعاليات لا تحمل مضمونًا وطنيًا، بل تُدار من خلف الكواليس لتمرير صفقات سياسية، أو التغطية على فشل ذريع في إدارة شؤون الناس. يُرفع العلم فوق مبانٍ حكومية فاسدة، على عربات ميليشيا تعبث بأمن المواطنين، في احتفالات لا تمت للسيادة أو الاستقلال بأي صلة.
علم يُهان حين يُختزل في ولاء الأشخاص
الخطير في الأمر أن هذا العلم لم يعد يُستخدم كرمز وطني جامع، بل بات يُختزل في شخص، أو فئة، أو مكون سياسي واحد. أي معارضة للانتقالي تُعد خيانة للعلم، وأي نقد يُصنَّف بأنه ضد “القضية الجنوبية”، رغم أن من يرفع العلم اليوم هم ذاتهم من يقمعون الحريات، ويفشلون في توفير الكهرباء والماء والأمن والدواء.
ازدواجية مخجلة
من المؤسف أن علم الجنوب يُرفع في الوقت الذي يُمنع فيه أبناء الجنوب من ممارسة حقهم في التظاهر، أو التعبير عن رأيهم. يُرفع العلم في الوقت الذي تنهب فيه الموارد ويُكمّم فيه الإعلام الحر، وتُدار فيه عدن من غرف عمليات خارجية. فهل هذا هو المعنى الحقيقي لراية الاستقلال؟ أم أنها ازدواجية مخزية تُستخدم لخداع البسطاء؟
إنقاذ رمزية العلم
إن مسؤولية الحفاظ على رمزية العلم الجنوبي لا تقع على من يرفعه فقط، بل على كل من يؤمن بقضيته، وعلى كل من يعرف معنى الدولة والكرامة والسيادة. يجب أن يعود هذا العلم إلى مكانه الطبيعي: فوق مؤسسات حقيقية لا وهمية، في يد شعب حر لا مستعبَد، وفي وطن مستقل لا مرتهن.
اللواء الركن : سعيد الحريري